غزة | كانت لافتة في جولات التصعيد الأخيرة، بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، القدرات التي باتت تتميز بها صواريخ المقاومة، إذ لم يعد التطور محصوراً في مديات الصواريخ كما في حرب 2014، بل تعدّاها إلى الرأس المتفجر والقدرة التدميرية، بالإضافة إلى زيادة الدقة، وإن كان التحدي الأساسي لغزة هو تصنيع كميات كبيرة أو التصنيع المتواصل والسريع، على رغم وجود دلالات على وفرة في المخزون، كما تقول المقاومة.مرّ تطور الصواريخ الفلسطينية بمراحل كثيرة منذ بدايتها في 2001، لكنه تركز طوال العقد الأول على زيادة المدى، ليدخل أكبر عدد من سكان فلسطين المحتلة في حيّز الاستهداف، بما يدفع بهذه الأداة لتصير «سلاحاً استراتيجياً» لدى المقاومة يمكن استخدامه كأداة تهديد حقيقية، وهو ما نجحت فيه فعلياً منذ حرب 2012 وصولاً إلى 2014، حينما أدخلت قرابة أربعة ملايين إسرائيلي إلى الملاجئ والغرف المحصنة. وكان أبعد مدى وصلته الصواريخ هو مدينة حيفا المحتلة، التي تبعد عن القطاع أكثر من 160 كلم، واستُهدفت بصاروخ كُشف عنه لأول مرة هو «R160». ومع أن صاروخ تل أبيب الأخير بلغ مداه، وفق المصادر العبرية، 120 كلم (وصل شمال تل أبيب على بعد نحو 60 كلم لأنه أُطلق من أقصى جنوبي القطاع)، فإن المديات الحالية لصواريخ المقاومة غير معلنة، لتبقى ضمن مفاجآت أي مواجهة مقبلة. لكن خلال العامين الماضيين، كشف عدد من فصائل المقاومة إنتاجه أنواعاً جديدة من الصواريخ، من دون الإفصاح عن مدياتها، مثل صاروخ «SH» المنسوب إلى الشهيد محمد أبو شمالة، و«A» للشهيد رائد العطار.
أما التطور الأبرز في الجولات المتقطعة من العام الماضي، فتمثّل في تحسّن القدرة التدميرية، إذ صارت الصواريخ تحمل رؤوساً تفجيرية كبيرة مقارنة بما كانت تحمله في السابق، وأصبح بإمكانها، لأول مرة، تدمير منازل ومنشآت على نحو كامل، كما حدث في سيديروت وبئر السبع وعسقلان، وليس أخيراً في شمال تل أبيب. وأحدث ذلك أثراً في مسار المواجهة، عندما أطلقت المقاومة في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي نحو 500 صاروخ على عسقلان وحدها، من بينها «بدر 1» الملقب بـ«جحيم عسقلان»، وكان يحمل رأساً تدميرياً كبيراً (تنتجه «سرايا القدس»، الجناح العسكري لـ«الجهاد الإسلامي»)، ما أدى إلى إيقاع أضرار في أكثر من 300 من المنشآت والممتلكات، من بينها منازل دُمّرت بالكامل.
من ناحية ثانية، وهي مهمة أيضاً، تعزز الجولة الجارية وما قبلها التوقعات بتطور قدرة الصواريخ الفلسطينية على تجاوز الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية، وبخاصة «القبة الحديدية» التي ثبت عجزها عن اعتراض الصواريخ الجديدة، رغم إعلان العدو تطوير منظوماته بعد الحرب الأخيرة، إذ أثبتت صواريخ بئر السبع وتل أبيب القدرة العالية على تجاوز هذه المنظومة، لا سيما بعد سقوط الصواريخ على المباني مباشرة، علماً بأن الجيش الإسرائيلي يدّعي أن «القبة الحديدية» لا تعترض سوى الصواريخ التي تطلَق على المناطق المأهولة، وتترك التي يتوقع أن تسقط في المناطق الفارغة. ولعلّ الأخطر إسرائيلياً هو اجتماع ميزتَي زيادة المدى والدقة، فقد سقطت الصواريخ الأخيرة بصورة مباشرة على منازل مأهولة على بعدين، يتجاوز الأول 40 كلم والثاني 80 كلم، وهو ما يعني أن بإمكان المقاومة ممارسة ضغط كبير وإيقاع أكبر قدر من الأضرار المادية والبشرية.
رغم ذلك، لا تزال صواريخ المقاومة أمام تحديات في زيادة عددها وسير إنتاجها، بما يمكّن المقاومة من مواصلة إطلاقها خلال الحروب بأعداد كبيرة ولأيام طويلة. لكن إطلاق المقاومة قرابة 400 صاروخ في مواجهة تشرين الثاني/ نوفمبر يُظهر أن لديها مخزوناً مناسباً ومريحاً، يمكّنها من دخول أي حرب تُفرض عليها من دون قلق.