تحذّر إسرائيل من فعاليات «يوم الأرض» على حدود قطاع غزة، وتعرب عن خشيتها من تبعاتها، الأمر الذي يستلزم منها مزيداً من التهديدات وعرض القوة، خشية أن تؤدي الفعاليات إلى تصعيد، تحرص في هذه الفترة على إبعاده. وتُعدّ المسيرة الكبرى التي دعت إليها الفصائل الفلسطينية بالمناسبة، أحد المواضيع الرئيسية لإسرائيل ضمن سلة مواضيع هي محل تفاوض غير مباشر بوساطة مصرية، ولا يبدو أن بالإمكان تحقيق خرق كبير فيها قبل موعد الانتخابات. والحشد العسكري على حدود القطاع، وكذلك التصريحات والتقارير التخويفية العبرية، ومن بينها تصريح رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو أمس عن أنه أصدر «أوامر» للجيش بالاستعداد لخوض عملية عسكرية واسعة ضد غزة، هي عدّة الشغل، المراد منها تعزيز موقف المفاوض الإسرائيلي، في ظلّ ما تراه تل أبيب مطالب فلسطينية لا تستطيع تلبيتها، حتى إن أرادت ذلك، في هذه الفترة التي تسبق انتخابات الكنيست المقرر إجراؤها في التاسع من الشهر المقبل.هذا الاستحقاق الانتخابي هو ما يمثل نقطة الضعف الإسرائيلية في المدى المباشر إزاء غزة. إذ إن إسرائيل معنية بفرض الهدوء ومنع التصعيد إلى أن تتجاوز الاستحقاق بلا تشويش يسبقه، في مقابل سعي المقاومة لاستغلال التموضع الإسرائيلي الممتنع عن المواجهة أو التسبب فيها، لتحقيق مصالح ترتبط بالحصار الجائر. لذلك، وتحت سقف المواجهة التي يشترك الجانب الفلسطيني أيضاً في الامتناع عنها، تتحرك أفعال الطرفين ما دون الحرب، وإن كانت الأقوال والتهديدات، وتحديداً من إسرائيل، مفرطة ولا تتلاءم مع أفعالها.
ومع إدراك أن تل أبيب معنية بالاستجابة لجزء من التسهيلات الاقتصادية من دون فكّ الحصار كاملاً، كي تمنع انفجار غزة في وجهها، فإن الانتخابات تمنعها خشية خسارة ناخبين يمينيين، على خلفية الاتهام المحتمل بـ«التساهل» مع الفلسطينيين. والفترة التي تفصل الطرفين عن الانتخابات تُعدّ من ناحية إسرائيل تهديداً، فيما يراها الجانب الفلسطيني فرصة. المفارقة أيضاً أن المتنافسين على الناخبين يرون في التصعيد، وتعثّر نتنياهو في مواجهته، فرصة يراهنون عليها لكسب المزيد من الأصوات في صناديق الاقتراع، وهو ما يفسّر الإكثار من التصريحات ضد الفلسطينيين والمطالبة بالمواجهة العسكرية بلا أي أبعاد عملية.
الميدان قد يشهد تصعيداً، مع أن اليد الإسرائيلية غير رخوة على الزناد


على خلفية صراع الإرادات هذا، بين الفرصة والتهديد، تحتاج قيادة المقاومة إلى العمل، وإن مع صعوبات موضوعية، على إفهام نتنياهو تحديداً أن إمرار التسهيلات الاقتصادية ورفع مستواها، وتحديداً ما قبل الانتخابات، سيكون أقل سوءاً من ناحية انتخابية، قياساً بما سيحدث جراء تصعيد قد ينفلت إلى مواجهة تكون تداعياتها كارثية عليه. على هذه الخلفيات، بات كل يوم حتى الانتخابات مفتوحاً على احتمالات كانت استثنائية وغير مقدر حدوثها. يعني ذلك أن الميدان قد يشهد تصعيداً أو أكثر، مع أو دون مناسبة مباشرة، وإن كانت اليد الإسرائيلية غير رخوة إلى الآن على الزناد كي لا تسبّب خسائر بشرية وتصعيداً في أعقابها.

«يوم الأرض» واحتمالات التصعيد
يمكن فهم الخشية الإسرائيلية من فعاليات الغد تحديداً، والأيام التي ستليها حتى 9 نيسان/ أبريل المقبل، ما يستدعي من إسرائيل تموضعين عسكريين: دفاعياً وهجومياً، مع فاعلية سياسية وإعلامية مؤازرة لردع الفلسطينيين من جهة، ومن جهة أخرى تكوين جاهزية عسكرية لمواجهة إمكان انفلات الواقع إلى مواجهة. فالخشية الإسرائيلية من التحرك الفلسطيني غداً (السبت) عبّر عنها الإعلام العبري بشكل لافت (موقع «والا» الإخباري وغيره): «يستعد الجيش عبر تمركز كبير للدبابات والقناصة والطائرات المسيرة لمواجهة التحرك الفلسطيني العاصف». إذ إن التقديرات الاستخبارية «لا تبشر بالخير»، مع الخشية من أن يقتحم المتظاهرون السياج ويحاولوا «خطف» جنود، الأمر الذي استدعى تعزيز «فرقة غزة» بناقلات الجند المدرعة، مع نشر وحدات النخبة واستقدام أخرى على خلفيات وقائية. ووفق مصادر أمنية رفيعة، هناك «خشية فعلية من أن تقدم (حركة) حماس على مفاجآت». هذه التقديرات تعتقد إسرائيل أن من المفيد نشرها، ظناً منها أنها بذلك تدفع القيادة الفلسطينية إلى لجم المتظاهرين، وتساعد في الوقت نفسه المفاوض الإسرائيلي الذي يستهدف تليين المطالب الفلسطينية، وإمرار «يوم الأرض» والأيام الفاصلة عن الانتخابات بهدوء ومن دون تصعيد، توازياً مع الاستعداد للمواجهة في حال تعذُّر التوصل جزئياً ومؤقتاً إلى تهدئة برعاية مصرية.
بناءً على ذلك، يبدو الجانب المصري، الجهة «الحيادية» بين الفلسطينيين والاحتلال، جزءاً لا يتجزأ من مركبات المشهد، وربما مع أهمية مضاعفة في هذه المرحلة جراء إرادة الامتناع عن التصعيد أو التصعيد المضبوط من الجانبين. الدور المصري في الشكل هو الوسيط الذي ينقل رسائل التهديد والتهدئة والشروط وتضادها، وبات تأثيره مضاعفاً قياساً بما مضى. حول هذه النقطة، تتحدث التقارير العبرية عن دور مهم للوفد في الحؤول دون التصعيد والخروق في فعاليات «يوم الأرض» والمسيرة التي تخشى إسرائيل تبعاتها. ومهمة الوفد هي التجول المتواصل على حدود القطاع والمناطق التي تفصل المتظاهرين عن مواقع العدو لمنع أي «تعدٍّ على السيادة» الإسرائيلية أو تخطي السياج أو إطلاق نار قناصة على وحدات جيش العدو، التي استقدمت تعزيزات آلية ضخمة لمنع ظهور الجنود منعاً لاستهدافهم.
في المحصلة، يوم غد مفتوح على احتمالات التصعيد، وصولاً إلى التراشق الناري بين الجانبين، وهي فرضية لا يمكن استبعادها مهما كانت الإشارات الدالة على خلافها، وهو ما يفسر التعزيزات والاستعدادات الإسرائيلية الوقائية وكذلك الردعية، وإن كان الإفراط في تظهيرها يحدّ فعاليتها جراء تكرار هذه «الحركات الاستعراضية» في أوقات غير متباعدة في الفترة الأخيرة، من دون أن تستتبع بترجمة على الأرض.