حال من «الاستقرار» تخيّم على المشهد الدولي «الراعي» للأزمة السورية. الرئيس الأميركي يكرّر تطليق بلاده للحل العسكري، وينتقد موسكو لإفشالها مشاريع قرار بشأن سوريا داخل مجلس الأمن. وهو المكان الذي طالبت فيه روسيا مراراً بإدارة الاشتباك السياسي حول سوريا. في وقت لم يتبدل فيه المشهد أيضاً في جنيف، حيث حافظ الوفدان السوريان على مواقعهما، رافضين أيّ تنازل.
وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما إنّ الولايات المتحدة لا تفكّر في حلّ عسكري في سوريا في الوقت الراهن. ووصف الوضع الداخلي في سوريا بـ«المفزع»، مشيراً إلى أنّ الدولة السورية حالياً «على وشك الانهيار». وأضاف: «هذا سيكون سيئاً بالنسبة إلى سوريا والمنطقة وللعالم كله، لأنه يؤدي إلى فراغ أمني خطير». وأعرب عن اعتقاده بأنّ المعارضة السورية خلال الجولة الحالية من المفاوضات في جنيف «أبدت مسؤولية»، متهماً الوفد الحكومي بـ«استخدام لغة القوة».
وأضاف، في مؤتمر صحافي مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، أنّ واشنطن وجهت رسالة قوية إلى روسيا بشأن سلامة المدنيين في سوريا. وقال إنّ «وزير (الخارجية جون) كيري وآخرين وجهوا رسالة مباشرة للغاية للروس، مفادها أنه ليس بوسعهم القول إنهم يشعرون بقلق على سلامة الشعب السوري في الوقت الذي يتضوّر فيه مدنيون جوعاً».
وحذّر من أنه إذا حالت موسكو دون صدور قرار من الأمم المتحدة في شأن تسهيل المساعدات الإنسانية في سوريا، فإنّها تتحمل مسؤولية منع هذه المساعدات عن المدنيين السوريين المحتاجين إليها بشدة.
ويسعى الغرب منذ أيام إلى إقناع روسيا بالانضمام إلى مشروع قرار يطالب بوصول المساعدات الإنسانية بصورة أفضل إلى سوريا و«الرفع الفوري للحصار» المفروض على مدن سورية عدة، بينها حمص.
في المقابل، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنّ مسودة القرار الأممي «منفصلة عن الواقع»، وحثّ الغرب على الكف عن توجيه اتهامات أحادية الجانب إلى دمشق.
وأضاف الوزير الروسي أنّ بلاده ستقبل فقط بمناقشة مسودة قرار إذا «لم تكن اتهامات أحادية الجانب ضد النظام» السوري. ودعا، أيضاً، مجلس الأمن إلى الموافقة على قرار يدين «النشاط الإرهابي» في سوريا.

مفاوضات جنيف

في جنيف لا جديد في المفاوضات سوى احتساب مزيد من الوقت الضائع. إذ تبادل الوفدان السوريان، مجدداً، الاتهامات بإضاعة الوقت، بعد جلسة مشتركة بإشراف الوسيط الدولي الأخضر الإبراهيمي.
وقال نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد: «اليوم كان يوماً آخر أضاعه وفد الائتلاف بلا أي نتيجة في إطار عمله الدؤوب على عدم الخروج بأي ثمار لهذه النقاشات». وأوضح، في مؤتمر صحافي، أنّ الوفد المعارض رفض «بشكل واضح وصريح إدراج بند الإرهاب على مناقشات هذا المؤتمر (...) قالوا لا يوجد إرهاب في سوريا». ورأى أنّ هذا الرفض «يدلّ مرة أخرى على أنهم يعيشون في عالم آخر، عالم وهمي، عالم غير واقعي وعالم خادع وكاذب».
من جهته، قال عضو الوفد المعارض، لؤي صافي: «من الواضح أنّ الفريق الآخر كان يريد التعطيل. رفضوا جدول الأعمال الذي قدمه الإبراهيمي، ورئيس الوفد (المفاوض بشار الجعفري) أصر على الحديث فقط في موضوع واحد، هو موضوع العنف».
وأضاف أنّ الموفد «بذل جهداً مشكوراً من أجل وضع جدول أعمال مقبول، طبعاً هو ليس أفضل ما نريد، لكنه كان مقبولاً، يتحدث عن قضية نبذ العنف اليوم (أمس) ثم ننتقل غداً (اليوم) إلى البحث في الموضوع الأساسي وهو تشكيل هيئة الحكم الانتقالية التي ستكون لديها عملياً مهمة وقف العنف». ولفت إلى أنّه «كان هناك حديث عن زيادة عدد الجلسات في اليوم. النظام يريد جلسة واحدة لمدة ساعة ونصف ساعة. نحن قلنا نحن هنا من أجل إنهاء أزمة كبيرة بحاجة إلى جهود أكبر، وطالبنا بوجود جلستين».
والجلسة هي الأولى المشتركة، بعدما عقد الإبراهيمي لقاءين منفصلين، أول من أمس، مع كل من الوفدين.
وأعلن الإبراهيمي في نهاية الجلسة أن بداية الجولة الثانية «شاقة». وقال في مؤتمر صحافي: «ليس لدي الكثير لأقوله (...) نحن لا نحقق تقدماً يذكر... سنقوم بما في وسعنا لمحاولة الإقلاع بهذا المسار». وأضاف: «أؤكد لكم أنني أملك أطناناً من الصبر، لكن الشعب السوري لا يملك قدراً مماثلاً. نحن ندين للشعب السوري بأن نتقدم في شكل أسرع مما نقوم به».
وأشار الدبلوماسي الجزائري السابق إلى أنّه سيلتقي الجمعة نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف ومساعدة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان، على أن ينتقل «الاسبوع المقبل أو أكثر بقليل إلى نيويورك لرفع تقرير إلى الأمين العام للامم المتحدة وربما إلى مجلس الأمن» حول المفاوضات.
وحول ما إذا كان قد حان الوقت «لفرض جدول اعمال» على المتفاوضين، قال الإبراهيمي: «لا أعرف ان كان في امكاني أن افرض اجندة على اشخاص لا يريدونها. كيف يمكن أن توجّه مسدساً إلى رؤوسهم... هذا بلدهم، ومسؤوليتهم كبيرة. جاؤوا الى هنا بمبادرة من روسيا واميركا ومعهم دعم العالم أجمع على ما أعتقد، والكل يتوجه بأنظاره اليهم، وبالتحديد كل الشعب السوري».
في السياق، رأت العضو في الوفد الرسمي بثينة شعبان، أنّ مشاركة موسكو وواشنطن في شكل مباشر في هذه المفاوضات قد «تعقّد الأمور». وقالت، في تصريحات لوكالة «فرانس برس»، إنّه «إذا لم يكن ثمة اتفاق على الاساسيات، أعتقد أن إحضار مزيد من الأشخاص (إلى طاولة المفاوضات) لن يحل المشكلة. سيجعلها أكثر تعقيداً».
واقترحت روسيا انضمام دبلوماسيين من موسكو وواشنطن لعقد اجتماعات مع الوفدين السوريين، على أن تكون منفصلة أو مشتركة، بحسب ما أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أول من أمس. بينما قالت شعبان: «كان الاتفاق أنه يعود إلى السوريين التوقيع على مستقبل بلادهم، ولذا لا ارى أن هذا (الاجتماع) هو على جدول الاعمال في هذا الوقت».
إلى ذلك، شكّل الوفد المعارض «غرفة عسكرية استشارية» يشارك فيها قادة من «الجيش السوري الحر»، وذلك «لمزيد من التنسيق، ولا سيما في حال التوصل الى وقف محتمل لاطلاق النار». وقال العضو في الوفد، منذر اقبيق، إنّ هذه الخطوة «ستعزز أداء فريقنا».
ولم يحدد عدد القادة الموجودين في جنيف حالياً، إلا أنه أوضح أن الرقم «سيكون على الاقل سبعة».
في موازاة ذلك، رأى وزير المصالحة الوطنية السوري، علي حيدر، أنّ «مؤتمر «جنيف 2» سينتهي إلى فشل في ظل المعطيات الحالية. والمسألة هي اي طرف سيعلن هذا الفشل». وأوضح، في مقابلة مع وكالة «فرانس برس»، أنّ الحكومة السورية ذهبت إلى جنيف «لتكسر حصاراً سياسياً وحصاراً إعلامياً دام ثلاث سنوات».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)




أنقرة: سنتعاون مع تونس في ملف «المجاهدين»

أعلن وزير الخارجية التركي، أحمد داوود أغلو استعداد أنقرة للتعاون استخباراتياً مع تونس حول ملف المقاتلين التونسيين في سوريا الذين يدخلون هذا البلد عبر تركيا بهدف ما يرونه «جهاداً». ولفت داوود أوغلو، في مؤتمر صحافي مع نظيره التونسي منجي الحامدي، إلى «أنّنا جاهزون لتقديم التعاون، ليس فقط للحكومة التونسية، بل لجميع الحكومات» في دول أخرى يقاتل مواطنوها في سوريا.
ورأى أن الأمور ستكون أفضل إذا «عرقلت الحكومة التونسية خروج (المقاتلين) التونسيين من تونس (...) ولكن في حال خروجهم من تونس وتوجههم إلى تركيا، وفي حال تقديم المعلومات الاستخباراتية اللازمة في هذا المجال، فإننا جاهزون لتقديم المساعدة». وأعلن وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو الشهر الماضي أنه جرى منع «ثمانية آلاف فتاة وشاب» من السفر إلى سوريا تحت مسمى «الجهاد». ويدخل «الجهاديون» التونسيون إلى سوريا عبر تركيا التي يصلون إليها في رحلات جوية تنطلق من تونس أو ليبيا المجاورة، حسبما أفاد مسؤول في وزارة الداخلية.
(أ ف ب)