من دون أن يكون عبد العزيز بوتفليقة على رأس السلطة، للمرة الأولى منذ 20 عاماً، عاش الجزائريون يومهم أمس بهدوء، مترقبين ما ستؤول إليه الاحتجاجات الشعبية منذ ما يقارب شهراً ونصف شهر. اكتفى المواطنون بالاستماع إلى رسالة الوداع التي أذاعها التلفزيون الوطني، وطلب فيها الرئيس السابق من الشعب «الصفح والمسامحة عن أي تقصير» خلال مساره في الحكم، قائلاً: «أغادر الساحة السياسية وأنا غير حزين أو خائف على مستقبل بلادنا».
بن صالح رئيس مؤقت؟
يبدو المسار الآن واضحاً بحسب ما تقتضي المواد 7 و8 و102 من الدستور، التي طالب الجيش بتطبيقها بسرعة أول من أمس، للدخول في مرحلة انتقالية تأتي برئيس جديد للجمهورية، وحكومة جديدة، وتنظيم ندوة وطنية جامعة، كبوابة للوصول إلى تغيير جذري للنظام. وعلى رغم أن المهل قصيرة جداً لاقتراح تعديلات على قانون الانتخاب، وأن أطراف الأزمة غير متفقين على مسار المرحلة الانتقالية، إلا أن استقالة الرئيس قضت بتطبيق المادة 102 من الدستور في مرحلة أولى، بعد إعلان المجلس الدستوري (محكمة)، في بيان عقب اجتماعه أمس، شغور منصب رئيس الجمهورية، وإبلاغه شهادة الشغور إلى البرلمان، طبقاً للفقرة 5 من المادة. ومن المرتقب أن يعقد البرلمان بغرفتيه جلسة علنية لإعلان شغور منصب الرئيس غداً الجمعة، أو بداية الأسبوع المقبل (رجح نواب أن تُعقد يوم الأحد). ويتعين على البرلمان تشكيل لجنة مشتركة بين الغرفتين لصياغة بيان نظامي حول إجراءات الجلسة، يفترض أن يكون أعضاؤها هم أنفسهم أعضاء اللجنتين القانونيتين في الغرفتين، كما يتعين قبل ذلك، على رئيس المجلس الشعبي الوطني معاذ بوشارب، ورئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، عقد اجتماع لضبط الإجراءات اليوم (الخميس). ويتوقع المراقبون أن تكون الجلسة علنية، لأن السرية محددة بحالات استثنائية.
موقف الشارع من المرحلة الانتقالية سيتضح غداً إن تواصلت الاحتجاجات


وحتى اجتماع البرلمان، تتجه الأنظار إلى عبد القادر بن صالح، خليفة الرئيس السابق بوتفليقة، والمتوقع تعيينه رئيساً مؤقتاً لثلاثة أشهر، كما تنص المادة 102. وعلى رغم أنه لا يحق للأخير أن يترشح في انتخابات تجري خلال هذه المدة (المادة 104)، بقيت توقعات محللين بأن يلقى بن صالح معارضة لتوليه الرئاسة في هذه المرحلة الحساسة، في ظلّ ارتفاع مطالب المحتجين برحيل كل النظام، ورفضهم إدارة المرحلة الانتقالية من قِبَل من يصفهم معارضون بـ«رموز النظام». فعبد القادر بن صالح أحد أبرز الوجوه القديمة، وعيّنه بوتفليقة عام 2002 رئيساً لمجلس الأمة، بعد خلاف بين الأخير ورئيس مجلس الأمة السابق، بشير بومعزة، أدى إلى عزله من منصبه آنذاك. وظل يشغل منصب الرجل الثاني في الدولة منذ ذلك الحين، على رغم أن انتخابات التجديد النصفي للغرفة الثانية للبرلمان تجري كل ثلاث سنوات. وسطع نجم الرجل منذ إصابة بوتفليقة بجلطة دماغية عام 2013، حين كان بن صالح الممثل الشخصي للرئيس في المحافل الإقليمية والدولية، وآخرها مشاركته في القمة العربية الأخيرة في تونس.

مرحلة انتقالية حذرة
من بين ردود الفعل على استقالة الرئيس، أمس، شددت أطراف على وجوب أن يتبع الاستقالة تحقيق مطالب الشعب ببناء ديموقراطي. ومع أن الردود بدت في معظمها مرحّبة بالاستقالة، ومشيدة بتدخل الجيش، إلا أنها لم تُلغِ الجدل بشأن المرحلة الانتقالية، خصوصاً أن حكومة الوزير الأول نور الدين بدوي، المشكلة حديثاً، تواصل مراسم تنصيب الوزراء الجدد المعينين. وترفض بعض أطراف المعارضة أن تتولى هذه الحكومة قيادة المرحلة الانتقالية، مطالبة مرة بتشكيل «مجلس رئاسي» من شخصيات وطنية مقبولة لقيادة عملية انتقالية قصيرة المدة، وأخرى بإعادة فتح المسار الانتخابي كما لو أنه لم يتوقف، من خلال البتّ في صحة ملفات الترشح المودعة لدى المجلس الشهر الماضي، كما طالب أمس اللواء المتقاعد، علي غديري، وهو أحد المرشحين.
أما موقف الشارع، وهو الأهم، فسيتضح أكثر غداً، في حال تواصل الحراك لجمعة سابعة على التوالي، لكون أيام الجمعة باتت موعد كلمة الشارع إزاء إجراءات السلطة أو تنازلاتها. وهنا، يرى مدير «مركز الدراسات والبحوث حول الوطن العربي والمتوسط»، حسني لعبيدي، أن على الجيش الآن تفادي القيام بأي «خطوة ناقصة» في مواجهة شارع يطالب بـ«وجوه جديدة» على الساحة السياسية، مشيراً في حديث للوكالة الفرنسية، إلى أن المؤسسة العسكرية ليس لديها المقومات اللازمة لكي تدير بنفسها العملية الانتقالية السياسية.

الجيش يلاحق «العصابة»
الظروف التي رافقت استقالة الرئيس بوتفليقة تنبئ بأن الجيش أزاح الطرف الثالث عن المشهد، وهو «محيط الرئيس»، لتبقى المؤسسة العسكرية من جهة، والشعب وأحزاب المعارضة من جهة ثانية، القطبين الرئيسين في الخريطة السياسية. وسيمضي الجيش، خلال الفترة الانتقالية، في تصفية ما وصفها بـ«العصابة»، بعد محاولة شقيق الرئيس المستقيل، السعيد بوتفليقة، المناورة والتحالف مع قائد المخابرات السابق محمد مدين، المدعو الجنرال التوفيق، والاستعانة بالرئيس السابق، إليامين زروال، للالتفاف على مقترح قايد صالح، وتشكيل هيئة رئاسية تقود البلاد خلال المرحلة الانتقالية، الأمر الذي أكده زروال، أمس، بصراحة، معلناً أنه تلقى اقتراحاً يوم 30 آذار/ مارس الماضي، بطلب من «توفيق» لرئاسة الهيئة، وأن الأخير أوضح له أن «الاقتراح جاء بالاتفاق مع السعيد بوتفليقة» شقيق الرئيس ومستشاره الخاص، الذي يوصف في وسائل الإعلام بـ«الحاكم الفعلي»، وهو ما أشار إليه عضو المكتب السياسي في حزب «جبهة التحرير الوطني»، الذي يترأسه بوتفليقة، أمس، بالقول إن رجلي الأعمال علي حداد ورضا كونيناف، كانا يتدخلان في الحزب، وإنهما جلبا أشخاصاً من الحكومة تابعين لهما. لكن الجهات المختصة، بدعم من الجيش، ألقت القبض على الرجلين، وسط حديث عن إبقاء السعيد بوتفليقة تحت الإقامة الجبرية.