في مؤتمر صحافي استثنائي عقده مساء أمس، قال الناطق باسم قوات المشير خليفة حفتر، العميد أحمد المسماري، إن تلك القوات هاجمت طرابلس من أربعة محاور، وإن «الأمر حُسم، وليس في حساباتنا سوى النصر والتقدم الى الأمام»، مؤكداً أن «المعركة ستكون غداً على أطراف طرابلس». لكن، على عكس هذه النبرة الحماسية، اعترف المسماري بمرارة بأسر 128 جندياً تابعين لهم في «البوابة 27»، الواقعة في مدينة الزاوية غربي العاصمة (نشرت قوات حكومة الوفاق صباح أمس فيديو يظهر هؤلاء الأسرى وعرباتهم العسكرية المحجوزة).في واقع الأمر، الحديث بتفاؤل عن تحقيق نجاحات في اقتحام طرابلس لم يكن مأتاه المسماري فقط، إذ تشهد هذه الأيام واحدة من أشرس حروب تسميم الإعلام بالشائعات. عملياً، تقود حملة نشر الأخبار الزائفة حول تقدم قوات حفتر الوهمية وسائلُ إعلام ليبية محلية، وتقودها على مستوى إقليمي وسائل إعلام إماراتية وسعودية، وحتى روسية. ويمكن القول، إن الأمر وصل إلى حدّ الهذيان، عبر نشر أخبار حول السيطرة على مناطق متباعدة من العاصمة، لا رابط يجمع بينها، والتهويل في وصف المعارك، مع أن عدد القتلى من الطرفين لم يتجاوز بضعة أفراد.
يمكن القول إذاً إن نصف الحرب يُخاض في الإعلام، والنصف الآخر ليس مشرقاً في وجه حفتر. فقدت القوات المهاجمة كتيبة في الزاوية، تم احتجازها بطريقة غير مفهومة، من دون قتال كثير، وأُذلّ عناصرها. أما جنوب العاصمة، فيتمركز المهاجمون في مناطق من غريان، وما حصل هناك هو نزوح عدد كبير من أهالي المدينة، وتراجع قوات حكومة الوفاق لتطويق المدينة من الخارج، وبذلك صارت قوات حفتر في مدينة خالية من دفاعات بشرية، وسيكون القضاء عليها أسهل، وقد استهدفتها بالفعل طائرات «الوفاق» ظهر أمس.
ثمة مغالطة أخرى يبثها الإعلام الموالي لحفتر، تقوم على إحداث خلط بين القوات التي أُرسلت من الشرق، وتلك الموجودة في طرابلس. من ناحية، من يقود عمليات حفتر المحدودة في العاصمة، هي قوات موالية له موجودة هناك منذ أعوام، من دون أن يكون لها نشاط كثيف، وقد تحركت الآن، لكن يبدو تحركها مرتبكاً، إذ لا توجد معلومات عن وجود تنسيق بينها، ويقود كلاً منها قائدٌ منفرد، وأغلب هؤلاء من موالي القذافي، أو من السلفيين المدخليّين (هؤلاء مهمون في المعركة، وقد خصص مشايخهم، أمس، خُطباً لصلاة الجمعة للدعاية لحفتر، بتوجيه من وزارة الأوقاف التي يسيطرون عليها في شرق البلاد، والتي تتلقى بدورها توجيهات دائمة من كبار دعاتها في السعودية).
تضخّم وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية والروسية تقدم حفتر


أما القوات القادمة من الشرق، فلا أخبار جديدة عنها، فهي لم تتجاوز حدود مدينة سرت (وسط البلاد)، وإلا لواجهت مقاومة من قوات عملية «البنيان المرصوص»، التابعة لمدينة مصراتة، والمتمركزة هناك منذ ثلاثة أعوام، علماً بأن لهذه الأخيرة خبرة قتالية كبيرة اكتسبتها من مقاتلة «داعش». إضافة إلى ذلك، توجد أخبار عن توجه تشكيلات تتبع «منطقة العمليات الوسطى»، التابعة لـ«الوفاق»، للسيطرة على الجفرة (جنوبي سرت)، التي تمثل قاعدة انطلاق لقوات حفتر.
من ناحية الجبهة الداخلية غرب ليبيا، فقد خرجت قوات المنطقة عن حذرها السابق، إذ أعلنت «قوة حماية طرابلس»، التي تشمل كبريات المجموعات العسكرية في المدينة، عن إطلاق عملية «وادي الدوم 2»، في إشارة إلى تكرار سيناريو معركة «وادي الدوم»، التي حصلت خلال حرب ليبيا ضد التشاد، والتي أُسر خلالها خليفة حفتر، ونُقل بعدها إلى الولايات المتحدة حيث صار يعمل ضد نظام القذافي.
أمس، غرد الرئيس السابق لـ«المجلس الأعلى للدولة» (استشاري)، وأحد أكثر الشخصيات شعبية في مصراتة، عبد الرحمن السويحلي، على صفحته في «تويتر» قائلاً: «أرادها حفتر حرباً فتلكن حرباً، وسيدفع هو ثمنها»، مضيفاً «هذه المرة لا بد من أن تكون معركة شاملة لاجتثاث مشروع عودة الاستبداد من جذوره أينما وجد نهائياً». أما بخصوص المواقف الدولية، فقال السويحلي، «نستهجن بيانات دولية للتهدئة، تشارك فيها دول متورطة في دماء الليبيين، كفرنسا وأبو ظبي، لا تهدئة قبل اندحار العصابة لجحرها».
خارجياً، لم يتغير شيء كثير. من ناحية، قال سفير بريطانيا في ليبيا، فرانك بايكر، على حسابه في «تويتر»، إن بلاده دعت إلى جلسة لمجلس الأمن مساء أمس لمناقشة التطورات. لكن هذه الجلسة لن يكون لها على الأغلب تأثير كبير، وخاصة بالنظر إلى موقف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، الذي التقى حفتر، أمس، ولم يزد شيئاً كثيراً عدا قوله: «أغادر ليبيا بقلب مثقل وقلق عميق، لا أزال آمل أن يكون من الممكن تجنب المواجهة الدموية في طرابلس وحولها». أما أبرز التصريحات، فقد جاء على لسان وزير الداخلية، نائب رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو سالفيني، الذي قال على هامش اجتماع وزراء داخلية الدول السبع الكبرى في باريس، أمس، وفي تلميح مبطن إلى فرنسا: «أتمنى أن لا تكون جهة ما ترغب في حل مسلح من أجل تحقيق مصالح اقتصادية وتجارية، سيكون الأمر مدمراً».