معركة يبرود المرتقبة لم تبدأ فعلياً. قوات الجيش السوري، يؤازرها مقاتلون من حزب الله، يحشدون للمواجهة منذ أيام. يترافق ذلك مع قصفٍ عنيف على المدينة القلمونية وغارات على الجرود العرسالية للحدّ من الحركة عبرها. وسُجّل أمس، هجوم مباغت للجيش السوري على قرية جراجير المحاذية للحدود اللبنانية انتهى بالسيطرة عليها، بالتزامن مع استمرار عمليات الكرّ والفرّ في مزارع ريما القلمونية. غير أن كلّ ذلك لا يُحتّم حدوث المعركة، علماً أن حشوداً مماثلة استُحضرت منذ أشهر لخوض «معركة القلمون» نفسها، لكنّ المواجهة اقتصرت يومها على ثلاث قرى هي: النبك وقارا ودير عطية. هدأت جبهة القتال بعدها ودخلت في هدنة غير معلنة، فحُمّل الثلج عبء إرجاء المعركة.
وسواء وقعت المعركة أو لم تقع، فالأمر سيّان بالنسبة إلى مسلّحي المعارضة السورية الذين يتحصّنون في المعقل الأخير لهم في ريف دمشق الشمالي. يعيش هؤلاء أيامهم على إيقاع اشتداد أصوات القذائف والصواريخ. قلّصت الغارات الجويّة من حركتهم في الانتقال بين الأراضي اللبنانية والسورية. ورغم أنهم يتحدثون عن الانهمار الكثيف للقذائف على المدينة، إلّا أنهم يقولون إن ذلك لا يعرقل تنقلهم في أرجاء المدينة التي يرابض الجيش السوري على مقربة من أحد أطرافها.
يقول أحد مسلّحي «جبهة النصرة» لـ«الأخبار»: «خبرنا النظام بالتجربة، يضاعف الغزارة النارية ليستدرجنا للرد، لكننا لن نفعل حتى يُقرّر الاقتحام». ويتابع المسلّح، وهو لبناني الجنسية: «عندما يقتحم الجنود، يفقد سلاح الجو فائدته عملياً. وتصبح المواجهة على الأرض رجلاً لرجل». استراتيجية يبدو أنها ستُتّبع، إذ يُكرّر فحواها غير مسلّح في حديثهم إلى «الأخبار». وفي موازاة ذلك، يستند هؤلاء إلى تسريبات وصلتهم تفيد بأن «حزب الله» متردد في مهاجمة المدينة لأكثر من سبب. وإضافة إلى راهبات معلولا المحتجزات في يبرود، بحسب المصادر، واللاتي يعتبرهن قياديو المعارضة سبباً مانعاً يحول دون اقتحام مسلّحي الحزب للمدينة، يرى هؤلاء أنّ قيادة الحزب تتهيّب فتح جبهة قتال في عرسال؛ لكون أي عملية اقتحام سيترتب عليها انسحاب المجموعات المقاتلة إلى الداخل اللبناني. وبالتالي، تعتقد بعض قيادات المعارضة في يبرود أن المرحلة الأولى من المواجهة سقتصر على تركيز القصف وإطالة أمده لإنهاكهم.


تحصينات وخنادق

إزاء هذه المعطيات، تكشف مصادر المعارضة أنها انكبّت في الفترة الماضية على تدعيم التحصينات وترسنة المقارّ العسكرية، علماً أن المدينة سبق أن تعرّضت غير مرة للقصف بالبراميل المتفجّرة من قبل القوات النظامية، خلال شهري حزيران وتشرين الأول العام الماضي. تضاف إليها الطبيعة الجغرافية الوعرة للمنطقة، علماً أن القلمون مليئة بالمغاور الطبيعية، إضافة إلى المساحات الشاسعة التي تصب في مصلحة مسلّحي المعارضة المتحصّنين في الجبال والذين يوزّعون القنّاصة عليها. ويعطي أحد القياديين الميدانيين مزارع ريما مثالاً على ذلك، مشيراً إلى أن اشتباكات وقعت فيها على شكل سجال، أي كرّ وفرّ. غير أنه يُرجع عجز النظام عن السيطرة عليها إلى طبيعتها الجغرافية. أما اليوم، فيشير القيادي الإسلامي إلى أن «ريما أرض رباط، لكنّها تتعرض لقصف عنيف».


«القاعدة» هي الأقوى

تتنوّع مجموعات المعارضة السورية المسلّحة التي تتحصّن في قرى القلمون. هنا الفصائل على نوعين: الأولى هي بقايا مجموعات «الجيش الحر»، المتمثّلة بالفصائل المقاتلة التي انسحبت من مدينة القصير عقب دخول «حزب الله» إليها في حزيران العام الماضي. وأبرز هذه المجموعات هي «الجبهة الإسلامية» و«كتائب القلمون» و«كتيبة الفاروق» و«حركة أحرار الشام» و«مغاوير القصير» و«أسود السنّة» و«لواء القادسية» وغيرها تحت راية الجيش الحر. أما الفصائل الأخرى التي تتمتّع بحضور طاغٍ في القلمون، فهي سلفية تحمل فكر «تنظيم القاعدة». يُعدّ منها كل من تنظيم «دولة الإسلام في العراق والشام» و«جبهة النصرة» و«الكتيبة الخضراء»، إضافة إلى فصيلين آخرين، تتعامل معهما المجموعات على أنهما يتبعان للقاعدة، هما: «فتح الإسلام» و«كتائب عبد الله عزام». كذلك هناك مجموعات مناصرة لـ«القاعدة»، تحمل الفكر نفسه، على سبيل المثال: «أنصار بيت المقدس» وبعض فصائل «حركة أحرار الشام».
أما بالنسبة إلى مقارنة ميزان القوى العسكري لجهة القوة على الاقتحام والمواجهة وميزان العدة والعتاد، فترجح القوة العتادية والعددية لمصلحة فصائل «الجيش الحر»، لكن المقاتلين الإسلاميين يتفوّقون في القدرة القتالية والخبرة العسكرية والثبات في المواجهة. فضلاً عن السلاح النوعي الذي غنمته «جبهة النصرة» خلال قيادتها هجوماً على مستودعات مهين.


العديد والدعم

تتفاوت تقديرات أعداد المقاتلين تبعاً للجهة التي تتولّى ذلك، وتراوح بين عشرة آلاف مقاتل وخمسة عشر ألفاً يتوزّعون على مختلف الجبهات في قرى القلمون، بحسب مصادر الجيش الحر. غير أن الفصائل السلفية تتحفّظ عن الإفصاح عن أعداد المقاتلين في صفوفها، مقدّرة أعداد جميع المقاتلين المتحصّنين في القلمون بعشرين ألفاً. أما بالنسبة إلى الدعم، فتُعدّ «الجبهة الإسلامية» الأغنى مقارنة بباقي الفصائل، علماً أن مصدر تمويلها رسمي سعودي. تليها المجموعات التي تدور في فلك «القاعدة»، والتي ترتبط بممولين وأثرياء في دول الخليج يقدّمون الدعم لها.

كونكورس وكورنيت

إضافة إلى الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، تمتلك مجموعات المعارضة كميات قليلة من الأسلحة النوعية: صواريخ كونكورس وغراد وكورنيت. ينقل مسلّحو المعارضة أنهم غنموها من مستودعات مهين. إضافة إلى مدافع الهاون والراجمات والكاتيوشا. وتحوي يبرود مصنعاً لتصنيع «الصواريخ المحلية الصنع»، وتحديداً الكاتيوشا والراجمات وقذائف الهاون. أما محاور المواجهة فتتعدد. تنقل مصادر المعارضة أنّ الأنظار على كامل الحدود اللبنانية كلّها؛ لكونها قد تُستخدم ممراً لمقاتلي «حزب الله» إذا قرر الاقتحام. وداخل الأراضي السورية، تعدد المصادر كلاً من قرى قارا والنبك باعتبارها خطوط تماس. أما مثلّث المواجهة الأبرز فيُسمّي هؤلاء كلاً من رنكوس ويبرود وعرسال.

يمكنكم متابعة رضوان مرتضى عبر تويتر | @radwanmortada