يوماً بعد يوم، تتزايد المؤشرات إلى محاولة المحور الإقليمي الذي يقوده «المحمّدان» (ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد) ركوب موجة الحراك الشعبي المستجدّ في الدول العربية من القارة السمراء، والسير به نحو ما يلائم مصالحه. بعدما فشل هذا المحور في تثبيت أقدامه في الدول الأقرب إليه، حيث يشكو «تنامي النفوذ الإيراني»، ها هو يجد الفرصة سانحة لقيادة هجوم مضاد يريد من ورائه تعزيز نفوذه بوجه خصومه، لكن هذه المرة من شمال أفريقيا، مستفيداً في ذلك من «البرودة» الأميركية حيال هذه الملفات، والتي تبدو أقرب إلى ضوء أخضر لـ«الوكلاء»، ومستغلاً أيضاً نوعاً من تقاطع المصالح مع روسيا. في ليبيا، تنظّر وجوه النظام السعودي، بصراحة، لضرورة انتصار ما تقول إنه «ثورة على الثورة». تعبيرٌ مضلّل يُراد من ورائه إسباغ مشروعية على تحرك الجنرال خليفة حفتر، الذي تريد الرياض، ومعها أبو ظبي والقاهرة، التمكين له، بما يكفل القضاء على منافسيه، أو على الأقلّ تحجيمهم إلى الحدّ الذي لا يمكنهم معه مزاحمة «القيادة العسكرية». أما في السودان، فتتصدّر المشهدَ الإمارات، التي يبدو ارتباط «جنرالات المرحلة» بها السمة الغالبة على هؤلاء. ترى أبو ظبي وحلفاؤها أن تزكية صعود القيادات، التي كان لها الباع الأطول في تأجير البندقية السودانية في اليمن، هو الحلّ الأمثل لتلافي أي سيناريوات «غير محبّذة» يمكن أن يفرزها الحراك الشعبي. بتعبير آخر، تجد الممالك والإمارات، ومعها مصر، في «حميدتي» و«البرهان» وغيرهما ذراعاً مناسبة للالتفاف على انتفاضة السودانيين، وتكريس العسكرة حلاً على غرار نموذج عبد الفتاح السيسي، والقضاء على «الجماعة الإسلامية» التي لطالما أرّقت السعودية والإمارات بتقلّباتها (راجع: «الإمارات ليكس»: السودان سلاحه معنا وقلبه مع «الإخوان»). كل هذه المعطيات تجعل مشروعاً القلق على التجربة الجزائرية، التي أظهرت ـــ إلى الآن ـــ مناعة صلبة بوجه التدخل الخارجي، ورفضاً قاطعاً لـ«النموذج» الخليجي في تأسيس «الشرعية». لكن الحماسة الإماراتية ـــ السعودية لـ«افتراس» الانتفاضات المغاربية مثلما كان فُعل مع الانتفاضات المشرقية، وتطلّع أكثر من طرف دولي إلى انتزاع حصّة من «كعكة» هذه المنطقة، يفتحان الباب على سيناريوات عديدة، ليس الانزلاق إلى أتون الفوضى مستبعداً منها، خصوصاً إذا ما فشلت الأساليب الناعمة التي استُخدمت في تطويع دول القرن الأفريقي في تسيير سفن شمال القارة على النحو الذي يشتهيه وكلاء واشنطن.