مشروع السكّة الحديدية التي تربط إيران بالعراق ولاحقاً بسوريا، «جزءٌ من طريق الحرير الذي يربط دول شرق آسيا وآسيا الوسطى بدول غربها، وصولاً إلى أوروبا». هذا ما يقوله مصدر عراقي مسؤول لـ«الأخبار» في شأن هذا المشروع «الاقتصادي الكبير» بتعبيره، موضحاً أن خطوته الأولى ستكون ربط مدينة شلمجة (الإيرانية) بمدينة البصرة (العراقية). وفيما يدور الحديث الإيراني عن وجهة نهائية واحدة هي سواحل البحر الأبيض المتوسط، تتحدث المصادر العراقية عن مسارين يتفرّعان من المحطة الواقعة في محافظة نينوى، يتجه أولهما إلى تركيا، فيما ينتهي ثانيهما عند السواحل السورية. في ما يتصل بهذا الأخير، يبدو أن ثمة توجّهاً جاداً لإنجازه، وإن كانت التوقعات الزمنية للانتهاء منه لا تقلّ عن عامين، حتى في حال سلوك الطريق الأسهل لإتمامه، وذلك من بين خيارين اثنين: الأول يقتضي إنشاء سكة جديدة تربط العاصمة العراقية بغداد بمدينة القائم الحدودية، التي تُربط هي الأخرى بمدينة البوكمال السورية، وصولاً إلى دمشق. مسارٌ يظهر الأنسب بالنسبة إلى طهران وحلفائها، لكن دونه عقبات عديدة، على رأسها تلك المتصلة بالموقف الأميركي.
أما الخيار الثاني (الأسهل)، القائم على «العمل بالمتوافر، وتطويره، لإدخاله حيّز التنفيذ» وفق المصدر عينه، فيفترض ربط «خطّ شلمجة ــــ البصرة بخط السكّة الحديدية العراقية»، بحيث يكون المسار على النحو الآتي: الناصرية، السماوة، الديوانية، الحلة، ومن ثم بغداد، التي ستُربط بسوريا من خلال مدينة القامشلي السورية، عبر السكّة القائمة حالياً بين بغداد ومحافظة نينوى (شمال غرب البلاد)، والتي تحتاج إلى إعادة تأهيل نتيجة الأضرار الفادحة التي أصابتها خلال الحرب على «داعش».
يُضاف إلى ما تقدم أن المرحلة الأولى من المسار الثاني، وهي إنجاز خطّ شلمجة ـــ البصرة بطول 32.5 كيلومتراً بكلفة تفوق مليار دولار أميركي، فستستغرق 24 شهراً من العمل المتواصل (على أقل تقدير)، لاعتبارات تتصل بإجراءات استملاك الأراضي على المقلبين، ورفع الألغام التي خلّفتها الحرب الإيرانية ــــ العراقية، فضلاً عن بناء جسر متحرك عملاق على «شط العرب»، بمواصفات عالية، يسمح للبواخر بالعبور من تحته.
يؤكد الجانب العراقي أنه أتمّ ما عليه من ناحية التحضيرات الأولية للمشروع


علي أيّ حال، يؤكد المصدر العراقي نفسه أن بلاده «أتمّت ما عليها من ناحية التحضيرات الأولية، وباتت جاهزة لبدء المشروع، الذي ينتظر توقيع العقود النهائية بين طهران وبغداد»، مضيفاً أن «الاتفاق على مستوى الرؤساء لا يعني تنفيذ المشروع مباشرة، بل إطلاق اجتماعات بين اللجان الثنائية لبحث جميع التفاصيل المتعلقة بالمشروع، ومن ثم إنجاز مذكرة تحدّد مسار الطريق ونقاطه، والشركات المسؤولة عن التنفيذ، وغيرها من التفاصيل».
إلى جانب تلك التفاصيل الفنية، التي ستكون عنصراً مقرراً في الصيغة النهائية لمشروع الربط السككي، فإن ثمة بعداً آخر سيكون له حضوره في المرحلة التحضيرية للمشروع، والمقصود به الموقف الأميركي ومدى تأثيره على توجه الحكومة العراقية، خصوصاً أن واشنطن تدفع باتجاه محاصرة إيران من خلال العراق، وتعزيز علاقات الأخير بكلّ من الأردن ومصر ودول الخليج، بهدف إبعاده عن المحور الإقليمي الذي تقوده طهران.
في هذا الإطار، يوحي حديث المصادر العراقية بأن بغداد لا تزال تحرص على مراعاة الجانب الأميركي، وهو ما يتجلّى في تفضيلها الخيار السككي الثاني (الواقع تقريباً تحت العين الأميركية) على الخيار الأول الذي يمكن أن يستثير واشنطن، مبررة ذلك بالموجبات الفنية واللوجستية (فقط)، وهي موجودة بالفعل، ومنها أن لا سكة قديمة قائمة على المسار الأول المؤدي إلى القائم، بخلاف الثاني الموصل إلى القامشلي.
لكنّ مصدراً حكومياً مقرّباً من رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، يشدد على أن «الجانب العراقي لن يكون جزءاً من العقوبات الأميركية، وسيعمل على المضي قدماً في هذا الاتجاه، رافضاً أي محاولة لعرقلته». وحول مشروع الربط تحديداً، يلفت في حديث إلى «الأخبار» إلى أنه «ما من رغبة لأن تكون وجهة استعماله عسكرية كما يروج البعض»، مضيفاً أن «طهران تسعى إلى إيصال منتجها الاقتصادي عبرنا إلى سواحل المتوسط، ونحن نريد إيصال منتجنا إلى دول وسط آسيا عبرها». ويتابع أن «العلاقة تكاملية بيننا، ونحاول الاستفادة من موقعنا الجغرافي خدمة لمشروع اقتصادي يعزّز من حضور البلدين على الخارطة الاقتصادية الآسيوية».