الجزائر ــ عبد القادر بن قرينةفيما تستعد الجزائر لخوض الاستحقاق الرئاسي، إذ يُتوقع ترشّح الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة، تبقى الأمثلة على تغليب المصلحة العامة بين صنّاع القرار وافرة، وتؤكد أن التباين لا يمكن أن يفسد في الودّ قضية؛ ففي سنة 1962 اختلفت وجهات النظر وتقدير الموقف بين الحكومة المؤقتة وقيادة الأركان العسكرية، فانسحب يوسف بن خدة، رئيس الحكومة المؤقتة آنذاك، لمصلحة قيادة أركان الجيش (الجماعة). كذلك فإن أحد قادة جبهة التحرير الوطني أيام الثورة الجزائرية، حسين آيت أحمد، رغم أنه حملَ السلاح في وجه رفاق الأمس (الجماعة) بعد الاستقلال، استجاب وانضم إلى الجماعة مباشرة بمجرد اعتداء ملك المغرب على الوحدة الجغرافية للوطن سنة 1963 وسماع نداء استغاثة من طرف الرئيس الراحل أحمد بن بلة، وحوَّلَ فيلقه من تيزي وزو للالتحام مع رفقاء السلاح في وجه القوات الغازية.

وفي نهاية سنة 1991 اختلفت المؤسسة العسكرية مع الرئيس آنذاك، الشاذلي بن جديد، بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وحُلَّ الخلاف بتنازل الرئيس عن الحكم بالاستقالة لمصلحة المؤسسة العسكرية «الجماعة».
كذلك يجب ألا نغفل الاختلاف الذي شبّ بين الرئيس الأسبق اليمين زروال، سنة 1997، والمؤسسة بسبب الاتفاق الذي أُبْرِمَ بين دائرة الاستخبارات والجيش الإسلامي للإنقاذ (الجناح العسكري للجبهة الاسلامية للإنقاذ) لوضع السلاح، والذي تُوِّج بقانون الوئام الوطني، ثم لاحقاً بقانون المصالحة الوطنية، حيث إن تقديرات الرئيس في حينها كانت مخالفة تماماً لتقديرات رفاقه، ما اضطره بعد فترة إلى المحافظة على وحدة المؤسسة وانسحب باستقالة قبل انتهاء فترته الرئاسية.
ليست المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا الخلاف في هرم السلطة، لكن هي المرة الأولى التي حدث أن أحد طرفي السلطة (أو الحاكم بأمره) لم يراعِ حماية وحدة «الجماعة»، بل ذهب بعيداً في الصراع لتقسيم الجماعة وتشخيص الخلاف بعيداً عن مصلحة وحدة القرار، ما قد ينذر بتصدع المؤسسة العسكرية والأمنية.
طبعاً هذا الصراع ليس الهدف منه حماية الدولة المدنية أو تمدين النظام السياسي، بل الصراع هو حول التمديد وحماية مصالح العصب وعدم إعطاء فرصة للتحقيقات الداخلية وحتى للقضاء الخارجي ليُكمل جميع تحريّاته وتحديد مسؤوليات الفساد والرشى بعيداً عن اتهام شخص عند هذا الطرف أو تلميعه والدفاع عنه عند الطرف الآخر وبين الخروج الآمن للرئيس وليس بالضرورة لعصبته.
من هنا فإن سناريوات الرئاسيات المقبلة ممكن أن تكون نقطة تنفس للساحة من الاحتباس السياسي الذي أثّر سلباً على بيئة الديموقراطية والحريّات، وكرّس الأحادية والجهوية بأن يتم الدفع بالمنافسة بين جيل غير جيل الثورة على الأرجح.
كذلك يمكن أن تكون محطة الرئاسيات محطة للضرب تحت الحزام بتشبث «الثلاثي المقدس» (الرئيس والجيش والاستخبارات) بالجنون السياسي لتوريث الحكم والسير بالبلد، على هشاشة استقراره، الى تصادم يؤدي إلى انقسام «الجماعة» وانشطار المؤسسة العسكرية لأول مرة بسبب عامل خارجي لا داخلي، كما حدث بين هواري بومدين والطاهر الزبيري، وهذا السيناريو بدأت تضعف أدوات تنفيذه أمام السيناريو الأول لحسابات واقعية وصعوبات لوجستية.
فالرئيس النائم على فراشه (إن كان يدري بما يدور حوله) بيده أدوات البقاء في الحكم والمتمثلة في: الدبابة ــ التلفزيون والإذاعات الوطنية ــ صندوق ضبط الموارد والخزينة العمومية ــ جزء من الإدارة العامة ــ الداخلية ــ العدل ــ المجلس الدستوري، وبيده صلاحية إمضاء المراسيم لأسابيع مقبلة.

الرئيس تنقصه أشياء أساسية:

أولاً: ما يُقِرُّ به أصدقاؤه ومن عاشروه ويُثْبِته ما عرفناه عليه في أرض الواقع؛ فالرئيس تنقصه الشجاعة والعزم، اللهم إلا إذا مورست مهماته بتوجيه من الثلاثي المقدس. وهذا سيناريو إذا حدث فهو سيناريو التعفين، وهو غير محمود العواقب.
ثانياً: ينقصه وقوف المؤسسة الأمنية الى جنبه، وهي التي تملك كثيراً من مفاتيح اللعبة السياسية وكذا أدوات التأثير في الرأي العام.
ثالثاً: أستطيع الرصد بأنه منذ الانتخابات البرلمانية المُلغاة سنة 1991 وما تلاها في انتخابات الرئاسة سنة 1995، وعت «الجماعة» الدرس وأصبح لديها القرار أن لا مجال للصدف في تسيير ملف الاستحقاقات الانتخابية، خاصة الرئاسية منها، فتشكلت قاعدة للحكم سنة 1996 تحوي كلاً من التجمع الوطني الديموقراطي، وحركة حمس، وجبهة التحرير الوطني، والاتحاد العام للعمال الجزائريين، والمنظمات الجماهيرية الكبرى، ومؤسسات المجتمع المدني والباترونا.
وتتوسع في كثير من الأحيان الى أحزاب وجمعيات ورقية تنشط وقت موسم حصاد الريع. هذه القاعدة للحكم عريضة تغلق الانتخابات تارةً كما حدث سنة 1999 لمناسبة الانتخابات الرئاسية، بحيث انسحب المترشحون الستة وبقي عبدالعزيز بوتفليقة وحيداً في السباق ينافس نفسه، أو قاعدة للحكم تقدّم الإقناع لتسويق نتائج تزوير الانتخابات كما حدث في انتخابات الرئاسة سنة 2004 أو انتخابات سنة 2008. هذه القاعدة للحكم بعد تدخل شقيق الرئيس (مع انعدام خبرته السياسية)، وعلى الأرجح بتوجيه منه، في التلاعب بنتائج انتخابات البرلمان سنة 2002 انتقلت قاعدة الحكم من كتلة غالقة للعبة الى كتلة تقنع الملاحظ بنتائج التزوير.
وبلغت ذروة التلاعب من شقيق الرئيس بمهزلة نتائج انتخابات البرلمان والملحيات الفائتة لاستحواذ جبهة التحرير على أغلبية مقاعد البرلمان وبقانون انتخابات نسبي (وهذا من المستحيل أن يحدث في أي بلد مهما كان التزوير فاضحاً). هذه القاعدة التي ما إن يُعْتَمد عليها في تحالف إنجاح الرئيس سابقاً (انتخابات 1999 و2004 و2009) تصدعت وأصبحت على الشكل الآتي:
1ــ انسحبت منها «حمس» ودعا مجلس الشورى فيها الى مقاطعة العملية الانتخابية.
2ــ المتبقي منها انْقَسَم الى ثلاثة أقسام:
* القسم الأول: وهم مع الرئيس أو بالأحرى مع الثلاثي المقدس. وهم بقايا جبهة التحرير بقيادة عمار سعيداني والمتساقطون والانتهازيون من الجبهة ومن التجمع وبعض النزهاء، على قلتهم، المنضوين باسم تاج تحت قيادة الوزير عمر غول، وهم الذين فقدوا صوابهم فاسْتُعمِلوا كورقة ترويج للعهدة الرابعة ولحماية مكتسبات حزب الفساد، حتى إنهم صرّحوا في البدء بجمع التوقيعات لولا تكذيبهم من طرف أحد رجالات الرئيس (وزير الدولة وزير الداخلية) ولاحقاً ببيان للمجلس الدستوري. وهم الذين جزموا من قبل بأن تعديل الدستور قبل الرئاسيات، وتبين في ما بعد أن لا علاقة لهم بالمعلومة بل هم مجرد أدوات بيد الثلاثي المقدس يتلاعب بهم كما يشاء.

القسم الثاني لقاعدة الحكم:

وهم شعبية الوزير الأول عبدالمالك سلال، المُتنامية من الخرجات الميدانية ــ التجمع الوطني الديموقراطي، المنظمات الجماهيرية، الاتحاد العام للعمال الجزائريين، مؤسسات المجتمع المدني، الباترونا، حزب الوزير عمارة بن يونس. وهؤلاء جميعهم مع دعم الرئيس إذا ترشّح، لكنهم محافظون جميعهم على خط الرجعة. وموقفهم يعطي انطباعاً آخر بأنهم لن يكونوا طرفاً في صراع الثلاثي المقدس مع دائرة الاستعلامات والأمن، أو بتعبير آخر هم مع الرئيس وليسوا ضد المؤسسة الاستخبارية.
* القسم الثالث: وهم غالبية قيادة جبهة التحرير ممثلة في ثلثي اللجنة المركزية بقيادة بلعياط والقاعدة النضالية في الولايات التي تمثل الامتداد الطبيعي لهم، وهذا القسم سيقف لا محالة ومن دون تردد خارج رغبة شقيق الرئيس.
ورغم ذلك، ما دامت أدوات الإشراف على العملية الانتخابية والإعلان عن نتائجها هي بيده، إذا ترشّح الرئيس ستعلن النتائج بفوزه وستكون لا محالة مزورة (رغم استبعاد ترشحه)، وإذا وقع هذا وحدث، فسنترقب حينها ربيعاً سلطوياً بيد المرشح المنافس وهو من دائرة الحكم، وسنشهد الثورة البرتقالية الأوكرانية تستنسخ في الجزائر، وسينتهي حكم «المترهل» حينها بثورة على حكمه، وان القسم الثالث لقاعدة الحكم بكامله سيدعم المرشح المنافس وكذا غالبية القسم الثاني ستدعمه كذلك (وهذا ما لا يتمناه الرئيس أو يرضاه أو يقبل به أو يسمح للثلاثي المقدس بالمجازفة به).
فالغالب هو أن يجري تنفيس الساحة من الاحتقان والاحتباس، ليس بشكل طبيعي بل بأدوية كيميائية لتسهيل عملية الإمساك. وسيكون المرشح هو من قاعدة الحكم وينتمي إلى القسم الثاني من هذه القاعدة، ولن يكون ضمن مؤثرات الثلاثي المقدس؛ أي بتعبير آخر، تربطه علاقة ودّ وحميمية مع مؤسسات الدولة، وفي الوقت نفسه محسوب على محيط الرئيس.
وأتوقع ضمن هذه الدائرة ألا يكون من المؤسسة السياسية الحزبية، بل من كوادر الدولة في الادارة العمومية.
إن عملية تدوير السلطة وانتقالها من جيل الثورة إلى الجيل الذي يليه إذا حدثا هذه المرة فسيحدثان بإطارات المدرسة العليا للإدارة وليس من الأحزاب السياسية، وهذا صار واضحاً من شكل الحكومة الأخيرة. فغالبيتهم هم من هذه المدرسة وبعيدون عن ممارسة السياسة وعن اختيار الشعب لهم.
(عن صحيفة «الخبر» الجزائرية)




الجزائر: «الربيع العربي» غير صالح

أعلن وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، أن مصطلح الربيع العربي «مفهوم مستورد وكان صالحاً أثناء الحرب الباردة في أوروبا، ولا أعتقد أنه صالح بالضرورة في العالم العربي». وقال في حوار مع قناة «روسيا اليوم» في موسكو: «هناك مراحل تاريخية في تطور المجتمعات العربية تطلّبت تغييرات جذرية وقعت في بعض الحالات عن طريق تظاهرات سلمية، وفي حالات أخرى عن طريق العنف الذي وصل إلى مستوى الحروب الأهلية، مخلّفاً قوافل من الضحايا. لذلك، هذا الأمر لا يمكن أن يقنن، لكنه يستجيب لظروف خاصة بكل مجتمع عربي».
الى ذلك، نفى وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري، أبو عبد الله غلام الله، اعتناق جزائريين في الآونة الأخيرة للمذهب الشيعي، قائلاً إن «معتنقي المذهب الشيعي هم لاجئون سوريون قدموا إلى بلادنا وليسوا جزائريين».
(الأناضول)