وبينما تعمل المواقع والصحف المصرية على الترويج لما يُبنى داخل العاصمة على أنه الأعلى أو الأكبر في القارة، تعد الدولة بأن الحيّ الحكومي سيكون من «أهم المراكز المالية في إفريقيا والشرق الأوسط»، رغم أنها لم تقدم حتى الآن تصوراً لآلية عمله، إذ لم تشرح الحكومة كيف ستقنع الشركات العالمية بنقل مشاريعها إلى مصر، ولا الشركات العالمية تظهر سعياً إلى الاستفادة من العاصمة الجديدة كمقرّ لإداراتها في الشرق الأوسط، ولا سيما في ظل التعقيدات الناتجة من القيود الحكومية، مضافةً إليها القيود البنكية التي لا تزال مفروضة على التعاملات المالية، وهو ما دفع أكثر من شركة إلى إبداء ملاحظات من دون حلول حكومية حاسمة.
تلقّت القاهرة قرضاً جديداً من الصين بقيمة 3 مليارات دولار
مع ذلك، تواصل الدولة دعم مشروع العاصمة الإدارية بكل السبل، على رغم معوقات أساسية، منها بُعد موقعها ووجودها في مكان معزول عن عامة الشعب، خاصة مع غياب الإسكان الاجتماعي والمتوسط، واقتصاره على الفاخر والمنتجعات السكنية التي تنفذها الشركات الخاصة وتبيعها بأسعار لا تناسب فئات كثيرة من المصريين. وعلى رغم تواصل الانتقادات، تضخّ الحكومة مليارات الجنيهات لإنشاء الحيّ الحكومي الذي يضمّ مباني فخمة لجميع الوزارات، ومليارات أخرى لإيصال البنية التحتية والمرافق إلى المنطقة الصحراوية التي يقام عليها المشروع، فضلاً عن تمديد شبكة طرق داخلية هي الأكبر من نوعها داخل المدن. أما العائد بعد أكثر من ثلاث سنوات، فهو مبانٍ فخمة ظهرت ملامحها أو اكتملت من دون أن تكون لها ضرورة ملحة.
وكان التصور الأولي للحكومة يقوم على انتقال الموظفين إلى العمل في العاصمة الإدارية، وذلك بتوفير مساكن قريبة. وبينما اختيرت مدينة بدر القريبة منها لتكون مكان إسكان ذوي الدخول الأقل، أظهرت الدراسات صعوبة دفع العاملين المبالغ التي ستطلب لبيع الشقق في هذه المدينة، أو حتى توفير إيجارها، خاصة أن الأسعار زادت كثيراً ولم يعد ممكناً بيع الوحدات بأقل من سعرها، وهي معضلة تقول الحكومة إنها تحاول البحث عن حل لها.
من جهة أخرى، تواصل الدولة الضغط على الشركات العقارية للاستثمار في العاصمة الجديدة بالأمر المباشر، مقابل ضمان عدم تعرض هذه الشركات للمضايقات، وإسناد مشروعات حكومية أخرى إليها، وهو ما تكرر أخيراً مع رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى. تقول مصادر إن الحكومة تطلب الاستثمار من الشركات، لكنها لا تسدد، وفي الوقت نفسه لا يمكن أحداً أن يطالب بباقي مستحقاته أو يهدد بإيقاف التنفيذ، لأن المشروع يُنفذ بتعليمات رئاسية وإشراف مباشر من الجيش، في وقت أصبحت فيه الأرض تضمّ مباني فخمة من دون وجود حياة. وهذا ما اضطر الشركات الخاصة إلى عرض تسهيلات وصلت إلى 15 عاماً كمدة للسداد، وبدفعة مقدمة 5%، والهدف الحصول على زبائن وسيولة، وبمعنى أدق تقليل الخسائر، علماً انه توقفت عملية طرح عقارات جديدة للبيع في العاصمة بعد الركود الذي شهده الطرح الأول.
أما أكبر جامع وأكبر كنيسة افتتحهما السيسي بداية العام الجاري، فتقريباً لا يوجد فيهما مصلون. والمسجد والكنيسة أعلنت «الهيئة الهندسية» أنها لم تدفع للشركات التي نفذتهما سوى 25% من التكلفة، مع إجبارها على تنفيذهما في أقل من عامين. وحتى البابا تواضروس الثاني لا يزال يقيم في الكتدرائية المرقسية في العباسية، ولم يقم في «الكنيسة الأكبر في إفريقيا» سوى قداس عيد الميلاد بسبب حضور السيسي للتهنئة، كما اعتاد كل عام. أما القداس الذي لم يحضره في عيد القيامة، فأقيم بنحو اعتيادي في الكاتدرائية المرقسية في العباسية. وبالانتقال إلى الفندق الفخم، لا توجد حجوزات تقريباً، ولا يقيم هناك إلا قادة عسكريون محدودون وبعض الضيوف الأجانب الذين يعملون استشاريين في المشروع، لتصل نسبة الشغور إلى 90% في غالبية الأوقات.
وإذا كانت الدولة تراهن على تحصيل عوائد من الداخل، فلا يبدو هذا التحصيل قريباً، ولا سيما في ظل توقعات بانهيار في أسعار العقارات بعد التعثرات الكبيرة التي تواجه المشترين أخيراً، فضلاً عن مشكلات أخرى مرتبطة بانسحاب شركات من العاصمة، ومحاولة شركات أخرى الحصول على تسهيلات من البنوك لتمويل مشروعاتها في ظل تقييد البنك المركزي الاقتراض للمشروعات العقارية.