الحسكة | لم تكن أجواء «ملتقى العشائر السورية» في بلدة عين عيسى، شمال الرقة، على مستوى الجهد الذي بذلته أوساط «الإدارة الذاتية» بدعم أميركي، لحشد وجهاء العشائر العربية تحت راية «مجلس سوريا الديموقراطية». الخطوة التي تأتي في سياق تنافس إقليمي ودولي على كسب ود العشائر، لما يُقدَّر لها من دور مهم في ترجيح كفة الصراع على مستقبل شمال شرق سوريا، لقيت رفضاً في أوساط عشائرية واسعة، حتى قبل موعد الملتقى. وهو ما فرض غياب وجوه بارزة عنه، بينها متحالفون مع «قوات سوريا الديموقراطية» كشيخ قبيلة شمّر و«حاكم مقاطعة الجزيرة في الإدارة الذاتية»، حميدي دهام الجربا. ولم يمنع انخفاض مستوى التفاعل، «الإدارة الذاتية»، من التسويق للملتقى الذي انعقد أمس، على أنه «أكبر منصة عشائرية» باعتباره جمع 5 آلاف شخصية من 67 عشيرة وقبيلة (وفق أرقام منظِّميه)، وإن كان معظم حاضريه من الصف الثاني والثالث بين زعامات العشائر.الموقف السلبي من المؤتمر بُني على نقاط عدّة، وتُرجم عبر جملة بيانات صدرت عن شيوخ عدة قبائل وعشائر، اعتبر بعضها من يحضر ملتقى عين عيسى «خائناً ومساهماً في المشروع الانفصالي الأميركي». وأوحت تلك البيانات بأن نفوذ الدولة السورية لا يزال حاضراً في صفوف غالبية العشائر، برغم الانقسامات الداخلية التي تعاني منها الأخيرة في المواقف السياسية. وإلى جانب الرفض المسبق للملتقى، اتهمت بعض الوجوه العشائرية، منظميه، بإقحام أسمائهم في البيان الختامي من دون العودة إليهم. إذ أكد الشيخ محمّد الحلو، أحد شيوخ قبيلة عدوان، أنه رفض حضور «اجتماع لا يرفع العلم السوري الرسمي»، مشيراً إلى أنه تفاجأ بوضع اسمه في البيان الختامي رغم عدم حضوره.
كانت لافتة «لهجة التطمين» إلى الداخل والخارج لدى منظّمي «ملتقى عين عيسى»


وبرزت، في كلمات منظّمي ملتقى عين عيسى، نقاط قد لا تجد ترحيباً في أجواء العشائر، ولا سيما الزجّ بفكرة «الإدارة اللامركزية»، إلى جانب تخوف البعض مما أشيع عن رعاية دولية وإقليمية للاجتماع. وفي هذا السياق، نفى عضو اللجنة التحضيرية للملتقى، وعضو «الهيئة الرئاسية في مجلس سوريا الديموقراطية» سيهانوك ديبو، في حديث إلى «الأخبار»، وجود أي رعاية أو دعم عربي أو إقليمي أو دولي للملتقى، معتبراً أنه «نتاج جهود وطنية برعاية وإشراف كامل من مجلس سوريا الديموقراطية». وأكد ديبو أن «الملتقى حمل رسائل إلى السلطة السورية، برفض محاولاتها إعادة إنتاج نظام شديد المركزية، وإلى تركيا بأن المنجز الحاصل في الشرق والشمال السوري عصيّ على التمزيق». كذلك، رفض عضو اللجنة التحضيرية للملتقى الاتهامات بأنه «خطوة لتكريس الانفصال في مناطق سيطرة قسد»، معتبراً أن «اعتماد نظام الإدارة الذاتية هو حفظ لاستقلال ووحدة سوريا، وتكريس لرفض الاحتلال التركي للأراضي السورية».
وكانت لافتةً «لهجةُ التطمين» في كلمات منظّمي المؤتمر، والتي وُجّهت إلى الداخل والخارج على حدّ سواء. إذ امتدح قائد «قسد» مظلوم عبدي، قوات «التحالف» والقوات الروسية، وأكد دورها المستقبلي «المطلوب». وشدّد على التزام «الحوار السوري ــ السوري» من دون «العودة إلى ما قبل عام 2011»، موضحاً في الوقت نفسه أن هناك «مفاوضات غير مباشرة مع الجانب التركي». هذا التوجّه «الودّي» نحو اللاعبين الأساسيين على الساحة السورية يستهدف عدم تظهير الملتقى محسوباً على جانب دون آخر، بما يؤثر بحجم التجاوب معه.
غير أن التحفّظ العشائري جاء مدفوعاً بتفاصيل كثيرة، بينها اجتماعات ضمّت طيفاً عشائرياً برعاية الحكومة السورية. إذ استضافت مدينة الحسكة وبلدة جرمز في ريف القامشلي «الملتقى الوطني لمناهضة المشروع الأميركي الانفصالي» خلال اليومين الماضيين. وبرغم أن هذه الاجتماعات ليست الأولى من نوعها، إلا أن بياناتها حملت لهجة تصعيدية ضد الاحتلال الأميركي و«قسد»، من دون إغفال دعوة الأخيرة إلى الحوار. وأكد بيان الملتقى أن «إصرار أصحاب الأوهام الانفصالية على الاحتماء بالأميركي، سيواجَه شعبياً بكل الوسائل التي تكفل حماية مستقبل أبناء الحسكة»، مضيفاً أن «الطريق إلى الحل السوري ـــ السوري لا يمر إلا عبر دمشق». ودعا أبناء العشائر المجندين في «قسد» إلى تركها والانضمام إلى الجيش السوري. ورأى شيخ قبيلة الجبور، حسن المسلط، الذي شارك في ملتقى الحسكة، أن «أي مؤتمرات تعقد تحت وصاية أميركية لا تمثل العشائر مطلقاً»، مضيفاً أن «أبناء العشائر سيبقون تحت راية العلم السوري، وحاضنة أساسية للجيش السوري، حتى استعادة السيادة على كامل التراب الوطني». وهو ما أكده أيضاً شيخ قبيلة الشرابيين، سعيد فهد العبيد، الذي أشار إلى «صمود أبناء العشائر حتى عودة السيادة السورية إلى كامل الشرق السوري».



موسكو تهاجم الملتقى: خطوة انفصالية
على رغم إشادة قائد «قوات سوريا الديموقراطية» بالدور الروسي من على منصّة «ملتقى عين عيسى»، خرج بيان حاد اللهجة من وزارة الخارجية الروسية إزاء الملتقى. إذ أشار بيان الخارجية الروسية إلى أن «بعض القادة الأكراد، بمساعدة منسّقين غربيين، حاولوا عقد مؤتمر للقبائل والجماعات العرقية السورية... ولكنه لم يلقَ حضوراً عربياً واسع النطاق، ما اضطرهم إلى تخفيض مستواه إلى ملتقى». واتهمت موسكو واشنطن بتخصيص «مبالغ مالية كبيرة لرشوة مندوبين، بغية تجنيد مشاركين في المؤتمر، بمن فيهم قاطنو مخيمات اللاجئين»، معتبرة أن «هذا الحدث، الذي يبدو أنه يهدف إلى تقسيم البلاد، يعد انتهاكاً صارخاً للمبادئ التي أعلنتها الأمم المتحدة للحفاظ على سلامة الجمهورية العربية السورية وسيادتها». ورأى البيان أن «هدف الإجراء تقويض جهود المجتمع الدولي والأمم المتحدة والدول الضامنة لصيغة أستانا، لحل الأزمة السورية في أسرع وقت ممكن»، مضيفاً أن «جزءاً من التشكيلات العسكرية الكردية ذات التفكير الانفصالي، والتي أدت في وقت ما دوراً معيناً في الحرب ضد داعش، تسعى الآن بدعم من الولايات المتحدة، إلى إنشاء كيان انفصالي شرقيّ الفرات».