ونفى الدبلوماسي في سفارة جنوب السودان لدى واشنطن، السفير غوردون بوى، الذي قام بالتوقيع على العقد بالإنابة عن حكومة جنوب السودان، في حديث إلى «الأخبار»، أن يكون الغرض من وراء تلك الخطوة تعطيل إنشاء المحكمة الهجين، قائلاً إن الصفقة تهدف إلى استعادة العلاقات الثنائية بين جوبا وواشنطن. وأضاف: «لقد كانت العلاقة أقرب إلى الصداقة في الفترات الماضية، لكنها تدهورت بعد اندلاع الحرب الأخيرة. لذلك، نريد أن نعيدها إلى سابق عهدها، إلى جانب فتح قنوات مباشرة بين الرئيس كير والرئيس دونالد ترامب، وإقناعه برفع العقوبات التي تم فرضها على مسؤولين حكوميين وقيادات عسكرية في جنوب السودان».
اعتبر سفير الولايات المتحدة أن الخطوة تهدف إلى تعطيل العدالة
في المقابل، عبّر سفير الولايات المتحدة لدى جنوب السودان، توماس هوشيك، عن استيائه من خطوة حكومة جنوب السودان، واصفاً إياها بالـ«مزعجة، لأنها تهدف إلى تعطيل العدالة». وأضاف أن «تلك الخطوة تعتبر دليلاً قاطعاً على أن حكومة جنوب السودان قد ارتكبت جرائم حرب وانتهاكات جسيمة ضد حقوق الإنسان، لذلك تسعى إلى عرقلة إنشاء المحكمة الهجين».
ويرى الباحث في مركز «السدود» للدراسات، أوغسطينو تينق ماياي، في حديث إلى «الأخبار»، أن التعاقد مع جماعة الضغط الأميركية لتعطيل المحكمة الهجين وتحسين العلاقات بين جوبا وواشنطن، لا يُعتبر من الأولويات الرئيسة في الوقت الحالي، معتبراً أنه «إذا كانت هناك حاجة للحكومة إلى التعاقد مع جماعات ضغط أميركية، فإنها لا ينبغي أن تكرسها لتعطيل أهم عناصر اتفاق السلام، المتعلقة بالانتهاكات والجرائم التي تم ارتكابها خلال الحرب، وهي المحكمة الهجين». وأضاف أن تلك الخطوة تؤكد عدم رغبة الحكومة في تنفيذ بنود اتفاق السلام الذي وقعت على جميع بنوده، بما فيها إنشاء المحكمة الهجين، إذ «كيف لها أن تأتي بعد كل هذا لتعمل على تعطيل المحكمة؟».
وفي أكثر من مرة، عبّرت حكومة ميارديت عن تخوفها من المحكمة، إذ اعتبرتها في تصريحات متكررة لوزير الإعلام، مايكل مكوي لويث، محاولة من المجتمع الدولي لإسقاط نظام الحكم الحالي، معتبرة الإصرار على إنشائها «تقويضاً لعملية السلام في البلاد». وقبل أن تشرع في اتخاذ خطواتها لتعطيل إجراءات قيام المحكمة، كانت الحكومة الأميركية قد سلّمت الاتحاد الأفريقي مبلغ 4.8 ملايين دولار عام 2016، لدعم إنشائها، باعتبارها واحدة من آليات تحقيق السلام والمصالحة في جنوب السودان.
يذكر أن الولايات المتحدة لعبت دوراً كبيراً في الدفع من أجل انفصال جنوب السودان عن دولة السودان عام 2011، إذ إنها وقفت إلى جانب متمردي الجنوب خلال فترة «حرب التحرير»، وضغطت على الخرطوم للقبول بتسوية سياسية والاستجابة لمطالب «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، إلى أن تمّ التوقيع على اتفاق سلام عام 2005، نصّ على منح الجنوب حق تقرير المصير. لكن ذلك التحالف لم يستمر طويلاً، إذ سرعان ما تحول إلى حالة جفاء وقطيعة بسبب قضايا الفساد والانتهاكات التي ارتكبتها الحكومة خلال الحرب الأهلية الأخيرة، لتقوم واشنطن بفرض عقوبات فردية على بعض قادتها العسكريين، إلى جانب عدد من المسؤولين السياسيين المتهمين بعرقلة جهود السلام التي تقوم بها وساطة «إيغاد» منذ عام 2016.