ضمن جهوده لحشد الدعم لحكومته، وصل أمس رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، إلى بروكسل، التي احتضنت اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين للتباحث في الأزمة الليبية. يأتي ذلك في خضمّ جمود ميداني على جبهات طرابلس تعزّز مع بداية شهر رمضان، ما جعل الجهود العسكرية تتركّز في تبادل القصف الجوي، ومحاولة فتح جبهة قتال في مدينة سرت.بعد أيام فقط من عودته إلى طرابلس، عقب جولة أوروبية شملت روما وبرلين وباريس ولندن، حطّ، فائز السراج، أمس، رحاله في بروكسل، ضمن مساعيه لدفع الدول الأوروبية إلى تبنّي موقف مساند لحكومته. لم يلتقِ السراج بسياسيين، بل بممثلين عن مؤسسات الاتحاد الأوروبي، تحديداً رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك، والممثلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد فيدريكا موغيريني. لم يختلف موقف المسؤولين الأوروبيين كثيراً، حيث قال تاسك إن الاتحاد «يعمل على إيجاد صيغة لوقف إطلاق النار، والمساهمة في إيجاد حلّ سلمي وديمقراطي في إطار الأمم المتحدة»، فيما أكدت موغيريني أنه «لا يوجد حلّ عسكري للأزمة الليبية»، داعية للعودة إلى مسار الحلّ السياسي. ويتطابق ذلك مع الموقف الذي عبّر عنه القادة الأوروبيون خلال استضافتهم السراج الأسبوع الماضي، والذي دار حول الدعوة إلى وقف غير مشروط لإطلاق النار.
لكن السراج بدا أيضاً متشبّثاً بموقفه الأصلي، إذ طالب بـ«تسمية الأشياء بمسمّياتها»، عبر اتخاذ «موقف أوروبي موحّد وعادل لا يساوي بين المعتدي والمعتدى عليه»، و«وقف الانتهاكات التي يرتكبها بعض الدول بتزويد القوة المعتدية بالسلاح»، مشدداً على أن أيّ وقف لإطلاق النار يجب أن «يحقّق انسحاب القوات المعتدية وعودتها من حيث جاءت»، منبّهاً إلى أن تواصل الهجوم «يزيد من أعداد الضحايا، ويدفع إلى اتساع نطاق الحرب التي لن يقتصر تأثيرها على ليبيا، بل سيشمل المنطقة كلها».
في موازاة ذلك، حضر المبعوث الدولي الخاص إلى ليبيا، غسان سلامة، في بروكسل لتقديم إفادة أمام وزراء الخارجية الأوروبيين. وعلى هامش الاجتماع، أدلى سلامة بتصريحات صحافية تحمل إشارات إلى وجود تغير في النظرة إلى الأحداث، حيث اعتبر أن «بعضاً من الواقعية التي كانت غائبة عادت لتظهر اليوم»، مضيفاً أن «الوهم الذي كان قائماً قبل خمسة أسابيع قد زال الآن». وأوضح أنه يوجد «مأزق عسكري»، مشدداً على ضرورة أن «تحيي الأمم المتحدة الحوار السياسي بين الأطراف الليبيين».
تشهد جبهات طرابلس الجنوبية نوعاً من الجمود منذ بداية شهر رمضان


حديث سلامة يبدو مُوجّهاً إلى الدول الأوروبية الفاعلة في الملف الليبي، وهي إيطاليا وبريطانيا وفرنسا، التي كانت ترى فرضية سيطرة قوات المشير خليفة حفتر على طرابلس شديدة الاحتمال، وبالتالي سطّرت مواقفها بناءً على ذلك، فجاءت في شكل حياد بارد أو تقديم تطمينات خفية لحفتر بأنها ستعترف بخطوته في حال نجاحها. لكن «وهم» السيطرة السريعة على طرابلس زال بعد خمسة أسابيع، وقد بدأ بالفعل في الانعكاس على المواقف الأوروبية من خلال الدعوة إلى وقف إطلاق النار. دعوة لن تكون كافية الآن من وجهة نظر حكومة الوفاق، التي بدأت تصعيد ضغوطها في اتجاه محاولة تعديل المواقف الأوروبية، عبر إعلان انتهاء رخص عمل 40 شركة أوروبية كبرى في ليبيا، أغلبها فرنسية، وإنهاء التعاون بين وزارة داخليتها ونظيرتها الفرنسية، في إجراءات قابلة للتوسع.
ميدانياً، تشهد جبهات طرابلس الجنوبية نوعاً من الجمود منذ بداية شهر رمضان، حيث ضعفت وتيرة القتال وباتت كفة المتصارعين أكثر توازناً. مع ذلك، لم تتوقف الحرب تماماً، بل صارت سمتها الأبرز تبادل الغارات الجوية، وهو أمر يركز عليه الجانبان منذ الأيام الأولى للهجوم، لكن سلاح الجو التابع لحفتر صار أكثر فعالية مع استعانته بطائرات مسيّرة إماراتية تنفذ ضربات دقيقة، ومع تحسن ملحوظ في قاعدته الاستخبارية التي تحدد أهداف القصف. أما سلاح الجو التابع لحكومة الوفاق، والمتمركز في قاعدة الكلية الجوية في مدينة مصراتة، فبالإضافة إلى خسارته طائرتين أسقطتهما قوات حفتر، فهو يعاني أصلاً من نقص في الطائرات وتآكلها، وفي الكوادر العاملين (لجأت الحكومة منذ أعوام إلى استقدام خبراء وطيارين من الإكوادور وبعض الدول الأخرى، وقد زعمت قوات حفتر أخيراً أنها قبضت على طيار برتغالي مرتزق بعد إسقاط طائرة لـ«الوفاق»). ومع أن الناطق باسم قوات شرق البلاد، أحمد المسماري، يدّعي دخول طائرات مسيّرة تركية ساحة القتال دعماً لـ«الوفاق»، فإنه لا يوجد حتى الآن دليل ملموس على ذلك.
وتستهدف الغارات المتبادلة مخازن أسلحة وخطوط إمداد في عمق أحياء طرابلس ومدينتَي جنزور والزاوية من قبِل قوات حفتر، وفي ترهونة وغريان من قِبَل قوات «الوفاق»، لكنها غير كافية لحسم المعركة. ولفكّ هذا الجمود، تعمل قوات حفتر منذ أيام على فتح جبهة قتال جديدة بعيدة في مدينة سرت الساحلية وسط البلاد، وذلك لتشتيت قوات «الوفاق» وتخفيف الضغط عن جبهات طرابلس. وقد عيّنت أمس اللواء كمال الجبالي آمراً جديداً لقواتها في المنطقة العسكرية الوسطى.
في مواجهة ذلك، تعمل قوات «البنيان المرصوص»، التي تنتمي أغلب مكوناتها إلى مدينة مصراتة، والتي تسيطر على سرت منذ استعادتها من تنظيم «داعش» عام 2016، على تحصين المدينة عسكرياً عبر تمشيطها وإقامة تمركزات، وقد نجحت قبل أيام في إسقاط طائرة استطلاع مسيّرة روسية الصنع (من طراز أورلان 10) تتبع قوات حفتر. كما تعمل «الوفاق» على تعزيز حضورها الاجتماعي في المدينة، عبر استكمال دفع تعويضات لسكانها جراء الدمار الذي لحق بممتلكاتهم خلال القتال ضدّ قوات القذافي وضدّ «داعش» لاحقاً.