تواصلت الاشتباكات في محاور جنوب طرابلس متقطعةً أمس، وقد شملت محاولات التفاف متواصلة من القوتين المتحاربتين، إذ شهدت منطقة قصر بن غشير قصفاً صاروخياً عشوائياً أودى بحياة ستة مواطنين، وسبّب سقوط عدد من الجرحى وخسائر مادية، إضافة إلى نزوح عدد من السكان، فيما تتواصل الجهود العسكرية لفتح جبهة جديدة وسط البلاد، من سرت شمالاً عند ساحل البحر، إلى منطقة الجفرة الواقعة جنوبها، التي تعتمدها قوات المشير خليفة حفتر ممراً نحو جنوب طرابلس.وأشار رئيس «لجنة الأزمة» في بلدية عيز زارة، الواقعة جنوب طرابلس، إلى أن المنطقة شهدت منذ انطلاق الهجوم على طرابلس دماراً كبيراً، أدى إلى نزوح أكثر من 16 ألف أسرة (نحو 100 ألف ساكن)، إضافة إلى سرقة منازل واستخدامها كمخابئ عسكرية، وتدمير نحو 300 منزل على نحو يجعلها غير قابلة للسكن، مشيراً إلى أن «المدارس لم تسلم، وكذلك المستوصفات التي نالت نصيبها من هذا الدمار».
وبموازاة الاشتباكات والقصف الجوي في منطقة طرابلس الكبرى، تدخل سياسة المحاور على خط العمليات العسكرية، إذ أعلنت قوات حفتر، مساء أول من أمس، إسقاط طائرة مسيرة قالت إنها تركية الصنع. وتبدو من الصور التي نشرها المقاتلون على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، أنها تستخدم للاستطلاع، وذلك بعد دخولها المجال الناري لقاعدة الجفرة الجوية. وترافق ذلك مع تحركات سياسية في شرق البلاد، تزيد من تعميق الانقسام القائم. ففي جلسة مسائية أول من أمس، صوّت البرلمان، المتمركز في مدينة طبرق، على قانون يصنف جماعة «الإخوان المسلمون» تنظيماً إرهابياً، في انخراط سياسي في لعبة المحاور بين السعودية والإمارات ومصر الداعمة لحفتر، وبين قطر وتركيا، علماً بأنّ المجلس منقسم بين أعضاء يدعمون الهجوم على طرابلس، من بينهم رئيسه عقيلة صالح، وآخرين يعارضون الهجوم، سبق أن عقد نحو نصفهم جلسة في طرابلس بداية هذا الشهر، طالبوا خلالها بانتخاب رئيس جديد للمجلس.
يرفض محور غرب البلاد وقف إطلاق النار قبل انسحاب حفتر إلى مواقعه


وناقش البرلمان المنعقد في شرق البلاد آلية جديدة تُوزَّع عبرها توزيع موارد بيع النفط، وشكّل لجنة نيابية للتواصل مع «المؤسسة الوطنية للنفط» و«مصرف ليبيا المركزي» المتمركزَين في طرابلس لدعوتهما للتنسيق معه، في ظل أزمة مالية بات يعاني منها محور حفتر، خاصة بعد القرارات الأخيرة للمصرف المركزي التابع لحكومة «الوفاق»، التي من شأنها التضييق على عدد من المعاملات المالية لبنوك في شرق البلاد، بينها الحوالات والنفاذ للعملة الصعبة، وذلك بعد رصد عمليات مشبوهة لتبييض الأموال وإصدار ديون خارج إطار القانون.
وتجدر الإشارة، هنا، إلى أن محور شرق البلاد حاول مرات عدة الالتفات على السلطة الحصرية للمؤسستين الاقتصاديتين الأهم، والخاضعتين لحكومة «الوفاق»، بقرارات أممية. بداية، شكلت حكومة عبد الله الثني غير المعترف بها، التابعة للبرلمان والداعمة لحفتر، مؤسسة نفط ومصرف مركزي موازيين، وحاولت تصدير النفط، خاصة بعد سيطرة قوات حفتر على أغلب مناطق الإنتاج وموانئ التصدير من دون أن تنجح في ذلك حتى الآن. ولا تزال سلطة شرق البلاد توفر مصروفاتها منذ أعوام عبر الاستدانة من البنوك المحلية، وطبع عملة موازية عبر شركة روسية، وجمع الضرائب، إضافة إلى دخول قوات حفتر في أنشطة تجارية مثل رفع الفضلات والاعتناء بالموانئ وإعادة الإعمار، وهي أنشطة تموّل حكومة «الوفاق» جزءاً كبيراً منها، لا إرادياً، عبر دفع موازنة البلديات.
دولياً، اتخذت الدول الأوروبية خطوة أولى إلى الأمام ضد الهجوم على طرابلس، الذي اعتبر «مجلس الشؤون الخارجية» في بيانه الختامي، أول من أمس، أنه «يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين ويزيد من تهديد استقرار ليبيا»، وهذه هي المرة الأولى التي يسمي فيها الأوروبيون ما حصل «هجوماً»، ويعترفون بأخطاره، وذلك بعد أسابيع من التعطيل الفرنسي لأي جهود مشتركة في هذا الاتجاه. لكن البيان حمل أيضاً بصمات فرنسية واضحة، فقد حثّ «جميع الأطراف على التنفيذ الفوري لوقف إطلاق النار»، وهو مطلب رفعته فرنسا أول مرة عند استقبالها رئيس حكومة «الوفاق»، الأسبوع الماضي. ويرفض محور غرب البلاد وقف إطلاق النار من دون انسحاب قوات حفتر إلى مواقعها السابقة قبل بدء الهجوم، ويعتبر أن أي شيء دون ذلك بمثابة طوق نجاة للقوات المهاجمة. ومع توقف الموقف الغربي عند هذا الحد، يسعى الرئيس الفرنسي لمقابلة المشير خليفة حفتر لتعميق المشاورات، وفق ما صرّح به وزير الخارجية جان إيف لودريان، خلال جلسة مساءلة برلمانية أمس.