انعكس التجاذب الدولي حول تطورات إدلب ومحيطها على طبيعة العمليات العسكرية الجارية هناك، خلال الأيام القليلة الماضية، فتوقف الحراك الميداني على محاور الاشتباك، وتحوّل الزخم إلى القصف الجوي والمدفعي المتبادل. خريطة أهداف الطيران الحربي توسّعت كثيراً، وشملت معظم بلدات أرياف حماة وإدلب وحلب، الخارجة عن سيطرة القوات الحكومية. وبالتوازي، لم يتوقف سقوط القذائف الصاروخية على بلدات الريف الحموي في الجانب الآخر من خطوط التماس، وخاصة على قمحانة وشطحة وسلحب والسقيلبية. كذلك، استمر وصول التعزيزات إلى جبهات حماة ومحيط حلب، بما يوحي بأن «تجميد» العمليات البرية قد لا يدوم طويلاً. وفي الخندق المقابل، تناقلت أوساط معارضة أنباءً عن اجتماعات بين قادة الفصائل المسلحة وممثلين عن الجانب التركي، لبحث مجريات الميدان ومآلاتها المتوقعة، من دون خروج ما يؤكّد ذلك من أيٍّ من الجانبين.مؤشرات التصعيد التي يمكن أن يُبنى عليها لتوقّع معارك أوسع مما شهدته الأسابيع الماضية، ترافقت مع جملة من المواقف الدولية التي تُراكم على خطوة أميركية أولى رافضة لحراك الجيش السوري وحلفائه، وداعمة لموقف تركيا في مفاوضاتها مع الجانب الروسي. إذ تتالت أمس تصريحات مسؤولي عدد من الدول الغربية لإدانة «استهداف المدنيين والمنشآت الطبية» في إدلب ومحيطها، والتحذير من خطورة هذا التصعيد. وجاء الاجتماع المغلق الذي عقد في مجلس الأمن أمس، وبَحَث تطورات الملف السوري، فرصة لتكريس حملة الضغط الغربية على دمشق وموسكو بنحو رئيس. وخرج الممثل الخاص لوزارة الخارجية الأميركية لشؤون سوريا، جايمس جيفري، عقب الاجتماع، ليؤكد أن بلاده طالبت بوقف إطلاق النار في إدلب، على اعتبار التصعيد هناك «تهديداً للسلام في المنطقة... وليس فقط في سوريا». ورأى جيفري أن هناك «ضغطاً دولياً متنامياً» للعودة إلى الهدنة.
أكد بيدرسن وجود «انفتاح» روسي على تطبيق وقف إطلاق النار


وكان الموقف الأميركي قد استُبق بإشارة من جانب المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، إلى وجود «توافق» على «احترام القوانين الدولية... خلال عمليات مكافحة الإرهاب»، وتنويهٍ إلى وجود «انفتاح» روسي على تطبيق وقف إطلاق النار في إدلب. وأبدى بيدرسن، عقب خروجه من اجتماع مجلس الأمن المغلق، ارتياحاً تجاه أجواء الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو (وجيفري)، لروسيا، ولقائهما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير خارجيته سيرغي لافروف، وتعويلاً على دفع موسكو إلى مسار «التسوية في جنيف». وفي معرض ردّه على سؤال عن تلك الزيارة، أوضح جيفري للصحافيين، أمس، أن النقاش تركّز فيها على كيفية تنفيذ بنود القرار الأممي 2254 تباعاً، في موازاة «خطوات من جانبنا» تتيح «عودة الحكومة السورية إلى المجتمع الدولي». وأضاف أن بلاده «لم ترَ خطوات إيجابية من جانب الحكومة السورية تبيّن التزامها تنفيذ القرار». وعلى رغم لهجة التصعيد الأميركية تجاه دمشق في شأن إدلب ومحيطها، إلا أن الممثل الخاص لوزارة الخارجية أكد في معرض الردّ على سؤال عن «ماذا يمكن فعله على الأرض لوقف الهجوم في إدلب؟»، أن بلاده يمكنها زيادة «العقوبات الاقتصادية والسياسية» على الحكومة السورية. لكنه لفت، في الوقت نفسه، إلى أن روسيا لم تعط أي إشارة إلى أنها تدعم «عملية عسكرية واسعة في إدلب»، بل أكدت أن ما يجري هو «حملة محدودة». وفي سياق متصل، قال المبعوث الأممي، بيدرسن، إن هناك «اتفاقاً بين روسيا وتركيا على احترام وقف إطلاق النار والحفاظ عليه». وهو ما يتساوق وتصريحات وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، عن وجود «اتصالات وثيقة» مع موسكو «لوقف ما يجري في إدلب وتأمين سلامة الناس، وتعزيز وقف إطلاق النار، وإحلال الاستقرار هناك». وأكد أكار أن بلاده تتابع جهودها لتطبيق اتفاقَي «أستانا» و«سوتشي». وجاء ذلك في موازاة اتصاله بنظيره الأميركي، باتريك شاناهان، لبحث عدة قضايا بينها تطورات سوريا. كذلك، شهد أمس اتصالاً بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، غير أن البيان الرسمي من «البيت الأبيض» حول فحوى الاتصال لم يتضمن أي إشارة إلى الشأن السوري.
وبينما تبدو تركيا مرتاحة لهذا الحشد الأميركي ـــ الأوروبي الداعم لموقفها التفاوضي، أعلنت أطراف معارضة، أمس، عن حملة تنطلق غداً الجمعة، تحت عنوان «جمعة الزحف لكسر الحدود والتوجه إلى دول أوروبا»، وهي وفق منظميها تسعى لحشد «مسيرة مليونية واعتصام باتجاه الحدود التركية، لمحاولة إزالة هذا الحائط المشين (السياج الحدودي) تحت شعار ذاهبون إلى أوروبا بحثاً عن السلام». وعلى رغم أن الحملة تصوّب على السياج الحدودي في الشكل، إلا أنها لا تخرج عن الأجندة التركية في ابتزاز الدول الأوروبية بملف اللاجئين، والتخويف من أن أي عمل عسكري في إدلب سيدفع بموجة جديدة من اللاجئين نحو الحدود الأوروبية.