مواقف مهمة صدرت عن قادة فصائل المقاومة خلال «المؤتمر الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية» الذي عقد في غزة، لكن تلك الصادرة عن السيد يحيى السنوار خاصة (قائد «حماس» في غزة) تستحق التوقف عندها لخطورة دلالاتها. قال السنوار، في معرض حديثه عن المواجهات السابقة وتلك المستقبلية المحتملة، بين «حماس» وبقية فصائل المقاومة من جهة، والكيان الصهيوني من جهة أخرى، إن حركته ضربت تل أبيب خلال حرب 2014 بـ 170 صاروخاً، مضيفاً: «إذا وقعت حرب جديدة، فسنطلق على إسرائيل أضعاف هذا العدد... بعض الصواريخ التي أطلقتها المقاومة خلال الحروب السابقة من صنع إيران، والبقية صنع محلي بدعم مالي وفني من طهران». وهو أكد أنه «لولا دعم إيران للمقاومة في فلسطين، لما تمكنت من امتلاك هذه القدرات بعدما تخلت عنها الأمة العربية... من يدعم المقاومة والقدس فهو في صف الأصدقاء، ومن يراهن على بيع القدس فهو في صف الأعداء». استنتاجات عدة تُستخلص من هذا الكلام، تظهر أبرزها الترابط الوثيق بين الدور الاستراتيجي المركزي لمحور المقاومة في الصراع الدائر مع الكيان الصهيوني داخل فلسطين، وبين الاستهداف الأميركي الحالي لإيران، الطرف المحوري فيه. استنتاج آخر تترتب عليه تداعيات جسيمة هي تصنيف المحور السعودي ــــ الإماراتي ــــ البحراني في خانة أعداء فلسطين من قبل «حماس»، الفصيل الأكبر في المقاومة الفلسطينية اليوم.
التحالف الاستراتيجي بين إيران وحماس
لا شك أن انفجار الأزمة السورية وتحولها بسرعة الى حرب إقليمية ــــ دولية متعددة الأطراف، وما نجم عنها من خلاف علني في الموقف بين «حماس»، وحزب الله وإيران، حذا بكثيرين إلى الجزم بأن القطيعة بين الطرفين حتمية ونهائية. والحقيقة أن أطرافاً عدة ومتباينة المصالح أرادت هذه القطيعة، كل خدمة لأجندته الخاصة. الجبهة المعادية لسوريا رأت في احتمال مثل هذه القطيعة بين «حماس» ومحور المقاومة سحباً لـ«الورقة» الفلسطينية من يده، ونزعاً للشرعية عنه. وهي راهنت أيضاً على إمكانية أن تفضي إلى دفع «حماس» نحو «الاعتدال» والقبول في مرحلة لاحقة بتسوية ما مع إسرائيل. طرف آخر في محور الممانعة اعتقد أن «حماس» نتيجة صلتها العضوية بجماعة «الإخوان المسلمون»، التي وقفت منذ اندلاع الأزمة ضد الدولة السورية، قد اختارت الانحياز إلى ما اعتبر مشروعاً إخوانياً على نطاق الإقليم، يتضمن صفقة مفترضة مع الولايات المتحدة، وبالتالي الخروج من المحور. وظن هذا الطرف أن «فضح حماس ضروري» في المعركة مع المشروع الإخواني في الإقليم.
خطاب السنوار يظهر أن الخلاف حول الأزمة السورية، رغم خطورته، لم يتحول قطيعة، وأن الدعم العسكري الإيراني النوعي للحركة، الذي لا يقتصر على نقل الصواريخ، بل، وهذا هو الأهم، على نقل الخبرات حول كيفية تصنيعها وتطويرها، لم يتوقف أبداً. يعني هذا الأمر أولاً أن إيران ترى في «حماس» شريكاً استراتيجياً في مواجهة إسرائيل لا تؤدي الخلافات معه، حتى حول قضايا مهمة، إلى إعادة النظر في الشراكة. يثبت ثانياً أن الحركة من جهتها بقيت حريصة على هذه الشراكة التي تكتسب بالنسبة إليها أيضاً طابعاً استراتيجياً. فقد أوضحت التطورات الميدانية خلال المعارك والمواجهات مع إسرائيل نمواً مستمراً ونوعياً في قدراتها العسكرية، ما يؤكد أن رهانها الرئيسي بقي على المقاومة المسلحة. ولكن، على من اعتمدت لضمان استمرارية هذا الرهان؟ كلام السنوار لا يحتمل التأويل: وحدها إيران دعمتنا بعدما تخلت عنا الأمة العربية. وبقدر ما لهذا الإقرار من إيجابية عالية لصدقية مواقف طهران وسياساتها بين شعوب الأمة، في سياق تصاعد حدة المواجهة بينها وبين الولايات المتحدة، بقدر ما يشكل إدانة صارخة للغالبية العظمى من الأنظمة العربية. فلسطين بجميع فصائلها المقاومة تقف اليوم في صف واحد مع إيران.

حرب إسرائيلية على إيران بسبب فلسطين
دور إسرائيل وحلفائها الأيديولوجيين والعقائديين داخل إدارة دونالد ترامب في التحريض على اتباع سياسة حافة الحرب مع إيران، التي قد تقود إلى الحرب كما يريد بعضهم، لم يعد خافياً على أحد. اعتبرت معظم التحليلات أن هذا الدور يرتبط أساساً بتطوير إيران للقدرات العسكرية والصاروخية لأطراف محور المقاومة في لبنان وسوريا. خطاب السنوار يشكل اعترافاً من الفلسطينيين بأن القفزة النوعية التي حققوها في قدراتهم العسكرية والصاروخية يعود فيها فضل كبير لإيران. من لا يدرك حجم الإهانة التي لحقت بالجيش الإسرائيلي في مواجهاته الأخيرة مع غزة وتداعياتها الكارثية على صورته وهيبته داخل إسرائيل، وفي الإقليم والعالم، لا يستطيع أن يفهم مدى تأجج الحقد الصهيوني عليها. إيران، وسوريا رغم كل ما وقع عليها، هما الدولتان الأخيرتان في العالم المشاركتان مباشرة في مواجهة مع إسرائيل. وهما في دائرة الاستهداف الأميركي نتيجة موقفهما المبدئي والعملي مع فلسطين.

معسكر الأعداء
اتهام السنوار لأنظمة خليجية بالتخلي عن فلسطين، وبالرهان على بيع القدس، تحول كبير آخر له تبعات. حرصت «حماس» في العقدين الماضيين على السعي إلى بناء أفضل العلاقات مع جميع الدول العربية والإسلامية، بما فيها تلك التي اختلفت معها وهاجمتها علناً. لقد كان للحركة، قبل الحرب في سوريا، علاقات تحالف معها ومع إيران، وفي الآن نفسه مع تركيا وقطر، وحاولت على الدوام تحسين علاقاتها مع السعودية ومصر. اندرجت هذه التحالفات والمساعي ضمن سياسة تقوم على التركيز على التناقض الرئيسي مع إسرائيل ومحاولة بناء أوسع جبهة ضدها أو على الأقل تحييد من لا يمكن ضمه إليها. لكن توجهات الأنظمة الحاكمة في السعودية والإمارات والبحرين لم تترك مجالاً لاستمرار مثل هذه السياسة غير الاستقطابية. لقد أصبحت هذه الأنظمة مصنفة رسمياً ضمن معسكر الأعداء الذي يقف الآن في مواجهة محور يمتد مجدداً من غزة إلى طهران.