الجزائر | كما كان متوقعاً، أكد الرئيس المؤقت، عبد القادر بن صالح، في خطاب بثه التلفزيون الرسمي مساء أمس، استمراره في منصب رئيس الدولة بعد انتهاء الفترة التي يحددها الدستور الحالي بثلاثة أشهر، وكانت ستنتهي عملياً في التاسع من تموز/ يوليو المقبل. وقال بن صالح إن الوضعية «الاستثنائية» التي تعيشها البلاد «تلزمني الاستمرار بتحمّل مسؤولية رئيس الدولة إلى غاية انتخاب رئيس الجمهورية»، مستنداً في قراره إلى الفتوى التي أصدرها المجلس الدستوري بعد إلغاء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 4 تموز/ يوليو المقبل، من خلال الإعلان عن إمكانية تمديد فترة رئيس الدولة.وتضمَّن خطاب بن صالح دعوة متجددة إلى الحوار في الفترة الإضافية التي سيكون فيها رئيساً، من أجل «رسم طريق المسار التوافقي» للخروج من الأزمة السياسية. وقال إن «هذا الحوار الشامل، الذي ستعكف الدولة على تنظيمه في أقرب الآجال، سيناقش كل الانشغالات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية المقبلة، للتوصل إلى وضع معالم خريطة طريق مهمتها المساعدة على تنظيم الاقتراع الرئاسي، في جوّ من التوافق والسكينة والانسجام». وأضاف إن هذه المرحلة الجديدة «هي حقاً فرصة ثمينة لتوطيد الثقة وحشد القوى الوطنية لبناء توافق واسع حول كل القضايا المتعلقة بهذه الانتخابات، وكذا ميكانزمات الرقابة والإشراف عليها». وسبق خطابَ بن صالح إعلان الرئاسة إنشاء سلطة مستقلة لتنظيم الانتخابات تُعهد رئاستها إلى شخصية وطنية. وتشير تسمية «سلطة» بدل «هيئة» إلى محاولة الإقناع بأن هذه الجهة ستكون لها صلاحيات مطلقة، ما يعني إبعاد الإدارة تماماً عن مسألة التنظيم.
واللافت أن خطاب بن صالح تعمّد عدم الإشارة إلى نقطتين مهمتين: أولاهما، تحديد تاريخ الانتخابات المقبلة، وثانيتهما الشخصية التي ستشرف على الحوار الشامل. ويريد رئيس الدولة من خلال ذلك، وفق بعض القراءات، إسناد كل ما يتعلق بالانتخابات، سواء من ناحية توقيتها أو طريقة تنظيمها، إلى مخرجات الحوار، وذلك تجنباً للخطأ الذي ارتكبه بتحديد تاريخ الانتخابات الملغاة قبل التوصل إلى أي اتفاق في شأنها، ما أدى في النهاية إلى فضيحة سياسية تجرعتها الرئاسة بعدم تقدم أي مرشح جاد لها. من الجانب الآخر، يعكس تجنب بن صالح أن يكون هو المشرف على الحوار رغبةً منه في أن لا يكون في الواجهة، لأن أغلب الأحزاب والشخصيات الوطنية عبّرت عن رفضها لأي حوار معه. وكما هو معلوم، فقد انتهى الحوار الأخير الذي أطلقه بعد توليه الرئاسة في 11 نيسان/ أبريل الماضي إلى مهزلة سياسية، حين لم ينجح في استقطاب سوى عدد محدود من الشخصيات السياسية الهامشية في المشهد.
لم يحدد بن صالح تاريخ الانتخابات المقبلة والشخصية التي ستشرف على الحوار


وتنسجم هذه الإشارات مع ما يجري تداوله في الأوساط الإعلامية والسياسية عن خطة بديلة تقضي بالإبقاء على رئيس الدولة ليؤدي مهمّات بروتوكولية فقط، مع رحيل حكومة الوزير الأول نور الدين بدوي، وتعويضها بحكومة تكنوقراط تقودها شخصية وطنية مقبولة من الحراك الشعبي، على أن تتولى هذه الشخصية مهمة إدارة الحوار للوصول إلى اتفاق نهائي في شأن الانتخابات الرئاسية. وسبق لرئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، أن دعا إلى الحوار في خطاباته الأخيرة، لكنه لم يحدد التفاصيل، ما يفيد بأن خطاب بن صالح الأخير يندرج في إطار هذه الرؤية التي تتبناها المؤسسة العسكرية، باعتبارها عملياً المتحكم بالقرار بعد رحيل الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. ويتم تقديم العديد من الأسماء للقيام بهذه المهمة، على غرار وزير الاتصال السابق، عبد العزيز رحابي، الذي يملك حضوراً قوياً داخل المعارضة، كما أن له صيتاً دولياً باعتباره شغل منصب سفير للجزائر في دول عدة؛ أبرزها إسبانيا والمكسيك. كما يتم تقديم اسم رئيس الحكومة سابقاً، أحمد بن بيتور، لكن الأخير أكد أنه لم يتلقّ أي عرض حتى الآن.
غير أن نجاح هذه الخطة في تبديد التركيز على رحيل عبد القادر بن صالح يبقى محلّ شك، بالنظر إلى الراديكالية التي وصل إليها الحراك الشعبي في ما يتعلق بالموقف من بقائه رئيساً. وتشير ردود الفعل الأولية إلى حالة رفض قوية لخطاب بن صالح أمس، وهو ما عبرت عنه بعض الشخصيات الناشطة في الحراك الشعبي، مثل السياسي كريم طابو، الذي اعتبر ما جاء على لسان رئيس الدولة مناورة جديدة لمحاولة الإبقاء على النظام نفسه، مؤكداً أن الحراك الشعبي سيبطلها. واختار بن صالح توقيتاً رآه كثيرون غير موفّق لمخاطبة الجزائريين، وذلك عشية التظاهر المعتاد كل يوم جمعة، ما قد يزيد في تحشيد المتظاهرين ضده، وبالتالي تعميق الأزمة السياسية بدل المساعدة على حلها.
وتدور معظم المبادرات السياسية المطروحة حول فكرة الذهاب إلى مرحلة انتقالية، تقودها شخصية توافقية أو مجلس رئاسي جماعي، إلا أن هذا الطرح يلقى رفضاً مطلقاً من قيادة المؤسسة العسكرية التي تتشبّث بحل دستوري، مخافة اتهامها بالانقلاب كما يقول أنصارها، في حين يعتبر قسم آخر من الجزائريين أن الهدف النهائي لهذه المماطلة هو إدامة النظام الحالي، عبر الذهاب إلى انتخابات على مقاسه.