دمشق | صار لزاماً على السوري، عند التنقل بين المدن والمناطق على أرض بلاده، أن يحمل الى جانب أغراضه الشخصية «عدّة» جديدة للسفر، وأن يستخدم خدعاً وألاعيب لاجتياز حواجز الجيش السوري أو مسلّحي المعارضة.
الحجاب، مثلاً، بات مرافقاً إلزامياً لغير المحجّبات، إذ تضطر هؤلاء إلى التحجّب عند المرور على حواجز مسلّحي المعارضة، وهم بغالبيتهم ذوو ميول دينية، وينزعنه قبل الوصول إلى حواجز الجيش السوري، هرباً من التدقيق والتأخير، الذي باتت تسبّبه المظاهر الدينية من شبهات بين السوريين اليوم. أما تزوير البطاقات الشخصية، فقد أضحى وسيلة ضرورية للمرور على حواجز المسلحين، وهذا ما يعتمده أبناء الساحل خصوصاً، إذ يحرص عدد منهم على حمل بطاقات شخصية تنسبهم الى مناطق أخرى لاجتياز المناطق الخاضعة لسيطرة مسلحي المعارضة.
تروي لين، وهي مدرّسة من اللاذقية، كيف اتّفقت مع زميل لها من حلب على ترتيب زيارة لها الى المدينة المنكوبة للاطمئنان إلى عائلة شقيقتها. منذ أكثر من سنة، بحسب لين، كان الطريق من دمشق إلى حلب بمثابة المرور في حقول من الألغام، إذ تنتشر حواجز الجيش الحر والجيش السوري على طول الطريق بعشوائية غريبة. خطّة لين كانت الاهتمام بالمظهر الخارجي وهو ارتداء الحجاب حسب الشريعة الإسلامية، والدخول برفقة صديقها الحلبي إلى مدينته. وقد طلب الصديق من لين عدم حمل بطاقتها الشخصية التي تحمل اسم مسقط رأسها القرداحة، والاستعاضة عنها بدفتر للعائلة يحمله منذ ما قبل طلاقه، على أن تمثّل دور زوجته التي تنتمي الى إحدى عائلات داريا. الخطّة نجحت بصعوبة، إذ إن إصرار المسلّحين على الأسئلة كاد يقضي على الصديقين معاً. وتتابع لين: «صديقي من عائلة العقاد، ما أدى الى خضوعنا لتحقيق مكثف على كل حاجز للمعارضة، بسبب الاعتقاد بأن صلة قرابة تربطه بمحافظ حلب محمد وحيد العقاد».
الوصول إلى المحافظات الشرقية أصبح من حكايات السوريين التي تنتهي نهايات كئيبة في الغالب. تذكر نهاد أنها كانت تعبر الطريق برفقة أطفالها من طرطوس إلى دير الزور، حيث تعمل موظفة في إحدى الدوائر الحكومية. ارتداء الحجاب بقي يقيها من الصدف البغيضة التي قد تودي بها إلى فخ ينصبه المسلحون لخطف موالين للنظام. الحجاب وحده لم يكن كافياً، بل لا بد من التحدث بلهجة أهالي المنطقة الشرقية، وتدريب الأطفال على هذه اللهجة التي كان الأقارب في الساحل يستهجنونها منهم. مغامرات المرأة انتهت مع محاولات الوصول إلى مقر عملها، عند اختطاف زوجها الضابط في الجيش السوري، ما أدى إلى التزامها منزل عائلتها في طرطوس، وترقّب أي خبر عن زوجها، ونسيان أمر الالتحاق بعملها.
تغيير اللهجات لا يقتصر على الموالين عند عبور حواجز المسلحين، بل يحاول المعارضون أيضاً التحدث بلهجة أهل الساحل، بهدف الحصول على تسهيلات على حواجز الجيش السوري. يذكر تمّام، وهو ناشط في مجال الإغاثة، أنه يتقصد التحدث بلهجة قرى الساحل، بهدف استدرار عطف الجنود، وعدم تدقيقهم أثناء التفتيش. هوية الشاب لا توحي بحقيقة طائفته، بسبب ولادته في منطقة ذات تمازج طائفي كبير. ويتابع: «يكفي أن أقدّم إلى الجندي الطيّب سيجارة. وأن أقول له: كيفك يا بلد، مع ضم حرف اللام بحميمية، حتى يبتسم ويقول لي: روح».
سرعة تكيف السوريين مع نكبات بلادهم وأخطارها خفّفت من مظاهر عجزهم، وجعلت منهم باحثين دائمين عن حلول لمشاكل لا تنتهي.

يمكنكم متابعة مرح ماشي عبر تويتر | @marah_mashi