القاهرة | منذ وصول الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى السلطة، لا تبدو العلاقة بينه وبين شيخ الأزهر، أحمد الطيب، على ما يُرام. لم ينسَ السيسي للطيب تحفّظاته على فضّ اعتصامات «الإخوان» بعد عزل الرئيس محمد مرسي، على الرغم من مشاركته في بيان 3 تموز/ يوليو الذي عُزل بموجبه الرئيس الإسلامي المنتخَب، ليتولّى رئاسةَ البلاد مؤقتاً رئيسُ المحكمة الدستورية عدلي منصور. تحفظّات يُضاف إليها خروج الإمام الأكبر عن رأي السيسي في العديد من المواقف المختلفة.حتى قبل أشهر قليلة، لم يكن الطيب حاضراً في الفعاليات الخاصة بالرئاسة سوى نادراً، وعادة ما يكون جالساً في مقعده. لكن في الشهور الأخيرة، تحوّل الإمام الذي يرى نفسه مدافعاً عن الأزهر وهيبته إلى طابور مُصافحي السيسي لدى وصوله إلى الفعاليات، فأصبح يقف إلى جانب رئيس الحكومة والوزراء لمصافحة الرئيس قبل دخوله القاعة، في تحوّل عكَس استجابته للضغوط التي مورست عليه في السنوات الماضية، وتقليم أظافر المحيطين به بشكل كبير.
على رغم محاولات إقصاء الطيب خلال السنوات الماضية، سواء عبر قانون يتيح عزله بتحديد عدد سنوات معين لبقاء شيخ الأزهر في منصبه، أو بتطبيق قانون العزل السياسي عليه باعتباره أحد قادة المكتب السياسي لـ«الحزب الوطني» المنحلّ إبان حكم حسني مبارك، إلا أن هذه الإجراءات لم تكتمل لأسباب مختلفة، من بينها اعتراض مشايخ الأزهر عليها، والتخوّف من تأثيرها المحتمل على الشارع، وخاصة في ظلّ الشعبية التي يتمتع بها الطيب. اليوم، يبدو السيناريو الوحيد الممكن لخروج الإمام، الذي شغل منصب رئيس جامعة الأزهر من قبل، تَقدُّمه هو بطلب لإعفائه من منصبه لأسباب صحية، واعتذاره عن عدم إكمال مهمّته بدعوى رغبته في الحصول على راحة، علماً بأنه بموجب القانون الحالي يُفترض أن يستمرّ في منصبه حتى بلوغ سن الثمانين، وهو ما يعني بقاءه حتى 2026 على الأقل.
قرر الطيب قضاء باقي حياته في مسقط رأسه في القرنة


يأتي هذا بعدما تضخّمت مساعي المحيطين بالطيب، خلال الفترة الماضية، إلى توسيع التعاون مع الإمارات والسعودية بصورة غير مسبوقة، في ظلّ محاولات الدولتين تحويل الأزهر من مؤسسة مصرية إلى مؤسسة عالمية. مساعٍ تضاف إليها كثرة سفريات الإمام الأكبر إلى الدولتين بطائرات خاصة بتعليمات مباشرة من حاكمَيهما، وحفاوة الاستقبال والدعم اللذان يلقاهما هناك. كل ذلك وجدت فيه السلطات تهديداً مباشراً للأزهر، وهو ما عبّرت عنه تقارير عدة رُفعت إلى الرئيس، وأُرسلت بعض مضامينها إلى الطيب في رسائل مباشرة وغير مباشرة من شخصيات عديدة في الدولة، طالبته بضرورة الاعتدال في سياسته تجاه دول الخليج، ودعته إلى التنحي «حفاظاً على هيبة المنصب»، الأمر الذي وافق عليه لاحقاً بالفعل. والجدير ذكره، هنا، أنه في صدامات عديدة بين الطيب والدولة، استخدمت الأخيرة الأوقاف والإفتاء بمواجهة شيخ الأزهر، خلافاً لما كان يروج في الإعلام من أن الرئيس منحاز إلى الأزهر. وهو تظهير مقصود يستهدف تسهيل السيطرة على الأخير، باعتباره المؤسسة الوحيدة في الدولة التي لا تزال خارج سيطرة الرئيس، ولا صلاحية لديه مطلقاً للتدخل في شؤونها.
منذ وصول الطيب إلى منصب شيخ الأزهر قبل تسع سنوات، رافقه دائماً الشيخ سليمان الجزائري، صاحب الأصول المغربية الذي التقاه الطيب خلال دراسته في «السوربون»، وهو نفسه المتحكم الرئيس بالأزهر في الوقت الحالي. الجزائري، الذي يمتلك شبكة علاقات واسعة مع حكام الخليج والمغرب العربي، يعتبره الطيب من أقرب الناس إليه، ودائماً ما يشركه في صناعة القرار. إلى جانبه أيضاً، محمد عبد السلام، المستشار السابق للشيخ، والذي كان يتحدث باسمه ويستمع إليه الطيب جيداً، لكن عبد السلام أُقصي من منصبه قبل شهور، استجابةً لضغوط عديدة وتهديدات وصلت إلى حدّ التلويح بإشهار بعض الملفات، بما من شأنه المسّ بمكانة شيخ الأزهر وهيبته، الأمر الذي جعل الطيب يبعده عن المشيخة بشكل كامل.
خلافة الإمام أصبحت محسومة. مفتي الجمهورية الحالي شوقي علام هو المرشح الأول للمنصب، حتى إنه أصبح يتصرف على أساس أنه شيخ الأزهر فعلياً، وباتت صلاحياته وتحركاته أكبر مما كانت عليه في أي وقت مضى. لكن يبقى توقيت رحيل الطيب هو الأكثر إثارة للجدل، وخاصة أن الرجل يرغب في الخروج بشكل مشرّف، بعدما قرر قضاء باقي حياته في مسقط رأسه في القرنة في الأقصر (صعيد مصر).