بغداد | أواخر أيار/ مايو الماضي، تحدث القيادي السابق في «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي»، وزير المالية الأسبق باقر الزبيدي، عن دور مفترض للعراق في «صفقة القرن» من خلال أراضيه الغربية، التي صارت «مسرحاً» للقوات الأميركية خلال الفترة الماضية. الزبيدي رأى أن منطقة القائم، غرب البلاد، ستكون «نقطة ارتكاز في المستقبل للمجاميع المسلحة القادمة من الرقة وإدلب والحسكة ودير الزور»، معتبراً أن «هذه التطورات دليلٌ على صلة العراق بصفقة القرن»، موضحاً أن غربيّ الفرات سيكون «وطناً بديلاً للفلسطينيين يتصل بالأردن وبالضفة الغربية». وحذر من أنه، على رغم محاولة جهات سياسية وإعلامية طمأنة الشارع، والتأكيد أن بغداد ليست طرفاً في «الصفقة»، إلا أن «الحقيقة غير ذلك... فبلاد الرافدين هي العمود الفقري للمشروع، لعوامل كثيرة، منها دينية وتاريخية واجتماعية، وهو ما تعدّ له إسرائيل وحلفاؤها في المنطقة ليكتمل خلال عامين».اللافت أن هذا الحديث تزامن مع مساعٍ خلف الكواليس لإعادة إحياء مشاريع «الصحوات»، وإنشاء قوة مسلحة في محافظة الأنبار تكون موالية لواشنطن. تقول مصادر ميدانية مطلعة على تلك المساعي إن الأخيرة «بدأت بعد زيارة رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، للعاصمة الأميركية في نيسان/ أبريل الفائت، عندما أطلق تصريحات في شأن الوجود الأميركي معارضة للتوجّه المُعلَن للتحالف النيابي الذي ينتمي إليه (تحالف البناء)»؛ إذ شدد على أهمية الوجود الأميركي كـ«ضمانة لاستقرار العراق»، معتبراً أن «المطالبة بسحب قوات التحالف الدولي في هذه المرحلة تصبّ في مصلحة الإرهاب». مذّاك، كثّفت الولايات المتحدة تحركاتها في المحافظة الغربية، حيث انعقدت ــــ وفق المصادر عينها التي تحدثت إلى «الأخبار» ــــ سلسلة اجتماعات بين زعماء عشائريين وقيادات عسكرية أميركية، بهدف وضع الترتيبات اللازمة لـ«مشروع تسليح العشائر»، خصوصاً تلك التي صمدت في وجه تنظيم «داعش»، بحجّة «حاجتها إلى دعم لوجستي لمواجهة مخاطر انبعاث التنظيم مجدداً، في ظلّ ضعف التسليح الحكومي، وعدم تسلّم عدد كبير من منتسبيها مستحقاتهم المالية».
تتحدث المصادر نفسها عن دور بارز لرئيس البرلمان في تلك التحركات واللقاءات، خصوصاً أن الرجل ــــ بحكم شغله سابقاً منصب محافظ الأنبار وسعيه حالياً إلى تشكيل كيان سياسي خاص به بعيداً من زعيم «حزب الحل» جمال الكربولي ــــ استطاع نسج شبكة واسعة من العلاقات مع زعماء العشائر والقضاة وقيادة الشرطة المحلية، فضلاً عن مجلس المحافظة الذي يواليه بالكامل. في هذا الإطار، تبدو لافتة زيارات الحلبوسي «المفاجئة وغير المعلنة» لكلّ من الأردن والإمارات، ولقاؤه الملك الأردني عبد الله الثاني، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، في خطوات قد لا تكون معزولة عما يجري العمل عليه في الأنبار.
يعزّز التقدير المتقدم أن الخطة الأميركية تشمل ــــ إلى جانب التسليح ــــ تأمين الطريق الدولي (بغداد ـــــ الأنبار ـــــــ عمان) بالتنسيق المباشر مع المخابرات الأردنية. وفي هذا السياق، يلفت أحد أعضاء مجلس المحافظة (رفض الكشف عن اسمه) إلى أن المشروع «مدروسٌ منذ أكثر من عامين»، مضيفاً في حديثه إلى «الأخبار» أن «عمّان تسعى إلى إنجاز هذا المشروع منذ سنوات عدة، وكانت فرصة دخول داعش إلى محافظة الأنبار مواتية لتحقيق ذلك، غير أن العشائر العراقية انخرطت في صفوف الحشد سريعاً مع سقوط المدن بيد التنظيم، ما حال دون ربط تلك العشائر أو تنسيقها مع الجانب الأردني».
إزاء ذلك، تسود مخاوف من أن يكون للمشروع الأميركي ارتباط بـ«صفقة القرن»، على اعتبار أن الأنبار يمكن أن تمثل بقعة ملائمةً يُستفاد منها كخيار من خيارات «الصفقة». لكن المحلل السياسي، واثق الهاشمي، يرى أن «الحراك الدائر في الأنبار يأتي في سياق الحرب على داعش، والقوات الأميركية قالت إنها سلّحت العشائر في صلاح الدين ونينوى، لكن الأنبار ربما كان لها وضعها خاص، المتعلق بالاستقرار الأمني، ولا سيما أنها تمتد مع سوريا التي تشهد تفلّتاً لعناصر التنظيم». ويلفت الهاشمي، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أنه «ما من موقف عراقي بشأن صفقة القرن، بل موقفٌ إزاء القضية الفلسطينية أعلنه وزير الخارجية محمد علي الحكيم، بتأكيده مبدأ الدولتين، وهذا القرار ربما هو الحاسم في ما يتعلق بهذه الصفقة». مع ذلك، تنبّه مصادر حكومية مقربة من رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، إلى أن «مناورات البعض»، على هامش الموقف الرسمي العراقي «الرافض لهذه الصفقة»، تفسح في المجال أمام «العبث بالتفاصيل»، من خلال «مدّ جسور» لا تنسجم مع رؤية الحكومة.