بعد مرحلة من الجمود في جبهات جنوب طرابلس، طغى عليها تبادل الغارات الجوية، بدأت محاولات طرفي الصراع لشنّ هجومات مباغتة وعنيفة منذ الأسبوع الماضي. وبفشل هجوم قوات المشير خليفة حفتر في تحصيل موطئ قدم داخل أحياء العاصمة الجنوبية ذات الكثافة السكانية، جاء الدور على قوات حكومة «الوفاق الوطني» التي حاولت مساء أول من أمس استعادة السيطرة على مطار طرابلس الدولي الذي خرج عن الخدمة عام 2014.كان تدمير المطار آنذاك إحدى نتائج القتال في العاصمة بين قوات عملية «فجر ليبيا»، والتشكيلات العسكرية المنحدرة من مدينة الزنتان التي كانت تسيطر على المكان في ذلك الحين، وهي موالية لـ«عملية الكرامة» التي أطلقها حفتر. الآن تغيرت المعطيات، إلى أن صار الطرفان اللذان تقاتلا على المطار سابقاً متحالفَين ضد حفتر، ويعملان تحت سلطة «الوفاق».
لكن قوات حفتر نجحت في بسط سيطرتها على المطار عقب هجومها المفاجئ بداية نيسان/ أبريل الماضي. ومساحة المطار الشاسعة والمكشوفة من جهات جعلته هدفاً لهجومات دورية، آخرها أول من أمس، حين رمت قوات «الوفاق» بثقلها في شنّ هجوم عنيف استخدمت فيه صواريخ ودبابات وقصفاً جوياً، إضافة إلى قوات مشاة.
الطلعات الجوية لقوات طرابلس لم تستهدف المطار فقط، بل وجهت أيضاً ضربات إلى خطوط خلفية امتدت إلى مدينة ترهونة التي انحازت إلى حفتر مع بداية الهجوم، وصارت تُمثل نقطة توقف وتموين لتشكيلاته، إضافة إلى مشاركة أبنائها في القتال إلى جانبه. الملاحظة الأبرز في ما يتعلق بطيران «الوفاق»، تطور دقة ضرباته ووتيرتها، وهو أمر متعذر على سرب طائراتها القديم والمتآكل، ما يرجّح صواب المعلومات التي تتحدث عن استعانتها بطائرات مسيّرة تركية الصنع.
بهذا الخصوص، انتشر قبل أيام شريطا فيديو قصيران يصوران تحويم طائرة مسيرة قرب «مطار معيتيقة» في طرابلس، إذ قدّر مراقبون أنها تركية الصنع من طراز «بايركتار تي بي 2» (Bayraktar TB2). يأتي ذلك بعدما قصفت قوات حفتر الشق العسكري من المطار مرتين الأسبوع الماضي، حين أعلنت أنها استهدفت طائرات مسيرة. ويبدو مما تراكم من أدلة، أنه توجد فعلاً طائرات تركية، رغم نفي مسؤولي «الوفاق» المستمر.
لم يُظهر أيٌّ ممن التقاهم سلامة تراجعاً عن شرطهم السابق لوقف القتال


لكن هذه الطائرات ليست الدعم التركي الوحيد الذي وصل منذ بداية الهجوم، إذ وصلت أيضاً نحو 40 عربة مدرعة، وانتشرت شرائط لخبراء أتراك وهم يدربون مقاتلي «الوفاق» على استعمالها، ما يرجّح أيضاً صحة المعلومات القائلة بوجود خبراء آخرين يشرفون على تشغيل الطائرات القتالية المسيرة، وربما يُسهمون في سير المعارك على الأرض.
على الصعيد السياسي، ترافقت عودة المعارك العنيفة مع تجديد المبعوث الدولي، غسان سلامة، تحركاته في اتجاهات عدة. فبعد زيارة لموسكو، التقى خلالها وزير الخارجية ونائبه، عاد سلامة إلى ليبيا، والتقى في الأيام القليلة الماضية رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق»، فائز السراج، ونائبه، أحمد معيتيق، ووزير الخارجية، محمد سيالة، وكذلك رئيس «حزب العدالة والبناء»، محمد صوان، الذي يمثل الذراع السياسية لتنظيم «الإخوان المسلمون». وجاءت اجتماعات سلامة بعد رفض طرفي النزاع تنفيذ هدنة اقترحها، للمرة الثانية منذ بداية الحرب. إذ لم يظهر أي ممن التقاهم تراجعاً عن شرطهم السابق لوقف النار، وهو عودة قوات حفتر إلى مواقعها السابقة للهجوم. مع ذلك، تبدو اللقاءات ضرورية للرجل، في ظل تواتر الاتهامات الموجهة إليه بالانحياز، من الطرفين.
أيضاً، أصدرت الإمارات وألمانيا بياناً مشتركاً أمس بمناسبة زيارة ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، لبرلين، جاء فيه أنه «لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري للصراع الدائر في ليبيا»، وأن «الإطار السياسي للمبعوث الأممي... يمثل الخيار الأفضل لتجاوز الأزمة السياسية». وفيما يُعَدّ هذا البيان الثاني الذي توقعه الإمارات بالمحتوى نفسه، بعد بيان مشترك أول في بداية الهجوم، فإنه متناقض مع سلوكها الواقعي في ظل دعمها حفتر عسكرياً بشكل يصعب دحضه، كذلك تنتشر جنوب طرابلس عشرات المدرعات من إنتاج شركة «النمر» الإماراتية، وتُرصد يومياً طائرات مسيّرة صينية الصنع من طراز «وينغ لوونغ» التي تستخدم في حرب اليمن.
من جهة أخرى، عقد وزراء خارجية مصر والجزائر وتونس اجتماعاً في تونس أمس ضمن آلية التنسيق الثلاثية التي وضعت قبل عامين. وجاء الاجتماع بعد أن طلبت الجزائر وتونس عقده مرات عدة منذ انطلاق الهجوم على طرابلس، دون أن تستجيب القاهرة لتلك الدعوات، لكنه خرج ببيان أكد «وحدة وسلامة أراضي ليبيا»، ورفض إغراق البلد بـ«السلاح الأجنبي»، وطالب بـ«وقف فوري للعمليات العسكرية»، وصولاً إلى حل سياسي، باعتباره «المخرج الوحيد للأزمة»، علماً أن مصر تنحاز بوضوح إلى حفتر وتدعم جهوده العسكرية، فيما تتخذ تونس والجزائر موقف الحياد، وتحرصان على احتواء الوضع.