وصل، أمس، رئيس البرلمان الليبي، المنعقد في مدينة طبرق شرق البلاد، إلى القاهرة، حيث التقى الرئيس المصري في قصر الاتحادية. وتُعدّ هذه الزيارة الثانية لعقيلة صالح لمصر، منذ انطلاق هجوم قوات المشير خليفة حفتر على طرابلس في 4 نيسان/ أبريل. ووفق وكالة الأنباء الليبية الموالية لمحور شرق البلاد، جاءت الزيارة الأخيرة بدعوة رسمية من عبد الفتاح السيسي، الذي أكد لرئيس البرلمان أن القاهرة «ستقدّم كل التسهيلات للشعب الليبي في (سعيه لـ)نيل استقراره وأمنه»، فيما أشار بيان الرئاسة المصرية إلى أن «موقف مصر لم ولن يتغيّر في دعم الجيش الوطني الليبي (قوات حفتر) في حملته للقضاء على العناصر والتنظيمات الإرهابية في البلاد». وسبق لخليفة حفتر نفسه أن زار القاهرة مرتين منذ انطلاق الهجوم، كان آخرها قبل حوالى شهر. وخلال الزيارتين، اجتمع حفتر مع السيسي وقادة عسكريين، إضافة إلى رئيس المخابرات العامة، عباس كامل. ويُعدّ كامل همزة الوصل بين مصر ومحور شرق ليبيا منذ أعوام، وقد قام نهاية الشهر الماضي بزيارة سريعة لبنغازي، تسلّم خلالها زعيمَ تنظيم «المرابطون»، هشام عشماوي، المتهم بتنفيذ هجمات ضدّ الجيش المصري.
دعم مصر لحفتر ليس سياسياً فقط، بل هو عسكري أيضاً. إذ ساندت القاهرة جهود الرجل في السيطرة على بنغازي وشرق البلاد في الأعوام الماضية، عبر توفير الغطاء الجوي. ومنتصف العام الماضي، فقد حفتر السيطرة على عدة موانئ في الهلال النفطي وسط البلاد لمدة تقارب الأسبوعين، ليتبين خلال ذلك وجود ذخائر ومؤن ومعدات عسكرية من صنع «الإنتاج الحربي» المصري في حوزة قواته. وتسهّل القاهرة، أيضاً، مرور شحنات عسكرية إماراتية نحو ليبيا، شملت طائرات مسيّرة وأخرى قتالية ومدرعات بعضها صنع في الأردن.
تمثّل كل هذه الجهود منهجاً مصرياً متسقاً في دعم محور شرق البلاد. لكن هذا الاتساق لا يمنع ظهور مفارقات في المواقف المصرية المعلنة. ففي حين كان الرئيس المصري يستقبل حفتر مع بداية الهجوم على طرابلس، كانت وزارة الخارجية تدعو طرفي النزاع إلى «ضبط النفس»، لتكرر مذّاك على نحو منتظم أنه لا يوجد حلّ عسكري. مفارقات تَكرّر ظهورها خلال اليومين الماضيين؛ إذ قبْل استقبال عقيلة صالح في القاهرة، أمس، حضر وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قمة ثلاثية في تونس جمعته بوزيرَي الخارجية الجزائري والتونسي، وانتهت إلى إصدار بيان بدا محاولة للتوفيق بين تناقضات الدول الثلاث في شأن الجارة المشتركة. إذ دعا مجلس الأمن إلى «تحمّل مسؤوليته تجاه الانتهاكات الموثقة» لحظر توريد السلاح، وأعلن الرفض التام «لأي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية الليبية»، وأعرب عن القلق البالغ من «تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى ليبيا»، في موقف يذكّر بما تكرّره قوات حفتر من اتهام لحكومة الوفاق باستقدام مقاتلين من سوريا.
وتفسّر هذه التناقضات سبب تأخر انعقاد القمة الثلاثية، التي كانت قد دعت إليها تونس والجزائر منذ بداية الهجوم على طرابلس، من دون أن تستجيب القاهرة لطلبهما لتضارب رؤيتها مع رؤيتيهما. وتخشى الجارتان الغربيتان لليبيا انفلات الأوضاع في طرابلس، وتطورها إلى حرب عنيفة ستكون لها انعكاساتها عليهما. وهما أرادتا، ربما، تحييد مصر عن الصراع، لكن الواضح أن القاهرة لا ترغب في الحياد، وهي مستمرة في تغذية حلقة الصراع المفرغة.