في إطار مساعي المجلس العسكري لفرض مرحلة انتقالية بإلغاء الاتفاقات السابقة مع تحالف قوى «إعلان الحرية والتغيير»، والدعوة إلى انتخابات مبكرة، يستمرّ المجلس في محاولات كسر ثنائية المشهد بينه وبين قادة الحراك الشعبي، بتوسيع رقعة محادثاته مع قوى سياسية كانت ضمن النظام البائد، من بينها سبع كتل سياسية، وحركات مسلحة منضوية تحت اسم «تنسيقية القوى الوطنية»، شارك أغلبها في «الحوار الوطني» مع نظام الرئيس المعزول عمر البشير عام 2014، وهي عملياً تمثل معظم القوى السياسية خارج تحالف «إعلان الحرية والتغيير».وبينما أعلنت قوى «الحرية والتغيير» «برنامج العمل الجماهيري والتحضير للتصعيد الثوري» للتصدي لتلك المحاولات، أكد القيادي خالد عمر يوسف علي، في حديث إلى «الأخبار»، أن الوساطة الإثيوبية لم تُعلم التحالف المعارض برفض المجلس الاتفاقات السابقة، متّهماً العسكر بـ«التملص والالتفاف على اتفاق الوساطة». ونفى اتجاه أي حزب داخل «الحرية والتغيير» إلى المشاركة في تأليف حكومة التكنوقراط، واصفاً ذلك بأنها «أحلام زلوط» (مستحيلة التحقيق). وبعد إعلان نائب رئيس المجلس، محمد حمدان دقلو، الملقب بـ«حميدتي»، أول من أمس، أن عضوية «المجلس التشريعي» ستكون بالانتخاب، أكد المتحدث باسم «الحرية والتغيير»، بابكر فيصل، في حديث إلى «الأخبار»، عدم وجود خلافات مع المجلس في شأن «هياكل مؤسسات المرحلة الانتقالية، ومن ضمنها التشريعي»، معرباً عن أمله في إتمام الاتفاق حول «المجلس السيادي». ووصف تصريحات «حميدتي» عن جاهزية المجلس لتكوين حكومة تكنوقراط بالأمر الذي «سيعقّد الأزمة أكثر، ولن يحلها»، وأنه «خرق واضح للاتفاق».
يحاول «العسكري» تأليف حكومة مدنية تسمح بتطبيع العلاقات معه دولياً


ويأتي التصعيد المتبادل بالتزامن مع محاولة المجلس استمالة قوى سياسية كانت مشاركة في النظام البائد. فبعد يوم من دعوة «حميدتي» ما وصفه بـ«الأحزاب العريقة» إلى «أن تَظْهَر وتتحمّل مسؤوليتها»، وإعلانه سعي المجلس إلى «إجراء انتخابات نزيهة»، وأنه «موافق على حكومة تكنوقراط»، سارعت «التنسيقية» إلى لقاء الأخير في الخرطوم أمس، وطالبت بتأليف حكومة تصريف أعمال من التكنوقراط، في مسعى إلى العودة إلى السلطة عن طريق انتخابات العسكر، بعدما أظهرت موقفاً متردداً تجاه الاحتجاجات منذ انطلاقتها في كانون الأول/ ديسمبر الماضي. وينسخ هذا المطلب وثيقة طرحتها «التنسيقية» على المجلس وقوى «الحرية والتغيير» والقوى السياسية كافة والحركات المسلحة وسفارات الدول الأجنبية، تتلخص بحسب ما أوضح القيادي فيها بشير آدم رحمة، في مقابلة صحافية أمس، بأن تكون الفترة الانتقالية لمدة عام، وأن يستمر «العسكري» في أعلى هرم السلطة إذا فشلت المفاوضات مع قادة الحراك حول «السيادي»، على أن تكون الأغلبية والرئاسة في الأخير عسكرية. كما تدعو إلى إجراء انتخابات نهاية فترة العام يشارك فيها جميع القوى السياسية، وأن تكوَّن «جمعية تأسيسية تضع دستور السودان الدائم». أما في شأن الحكومة المركزية وحكومة الولاية، فقد حددت الوثيقة عدد الوزارات بـ21 فقط في الأولى، واقترحت أن يتم اختيار الولاة من قِبَل «العسكري» إذا فشل في التوافق حولهم مع «الحرية والتغيير»، على أن تلغى مناصب المعتمدين، وأن تكون حكومة الولاية من خمسة وزراء فقط.
وترفض «التنسيقية» الوساطة الإثيوبية التي تدعو إلى استئناف المفاوضات من حيث انتهت في الجولات السابقة، إذ يرى القيادي في التحالف الجديد أنها «يجب أن تبدأ من الصفر مع كل القوى السياسية، وليس مع الحرية والتغيير فقط»، وهو ما طالبت التنسيقية به رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، لدى لقائها إياه في الخرطوم، في حين تبرر طرح وثيقة المبادرة بـ«حدوث انسداد» و«إلغاء الاتفاق الموقّع» بين «الحرية والتغيير» و«العسكري» الذي تراه «شريكاً أصيلاً في الثورة»، تماماً كما في المبادرة التي قدمتها عام 2013، والتي تمخض عنها «حوار وطني» في العام التالي، علماً بأن تلك القوى لم تضغط على البشير في تنفيذ مخرجات ما أطلق عليه البشير «حوار الوثبة»، ما أفضى إلى أزمات سياسية واقتصادية استمرت حتى سقوط النظام أخيراً.
وتضاف مبادرة «التنسيقية» إلى مبادرات عديدة تسعى إلى الوساطة بين العسكر و«الحرية والتغيير»، لعلّ أهمها من قِبَل رئيس حزب «الأمة القومي»، الصادق المهدي، المنضوي في التحالف المعارض، لكنه يبدو غير متفق مع باقي مكوناته على نقاط عديدة من بينها «الوثيقة الدستورية» التي وضعها التحالف على طاولة المفاوضات في شأن رؤيته للمرحلة الانتقالية، والعصيان المدني الذي رأى أن من شأنه «فتح الطريق أمام الثورة المضادة»، وأيضاً في النظرة إلى العسكر الذي يراه شريكاً في «الثورة». وفي ضوء ذلك، دعا المهدي، وهو رئيس «تحالف نداء السودان»، إلى إنشاء «كيان وطني موحد من كافة المبادرات للوساطة» بين طرفي المفاوضات، والوصول إلى اتفاق حول ترتيبات الفترة الانتقالية.
ويبدو أن العسكر يتجه إلى إجراء انتخابات تستهدف إنشاء سلطة مدنية، يلتف من خلالها على الضغوط الدولية التي تدفع في اتجاه استئناف المفاوضات مع قوى «الحرية والتغيير»، لا سيما في ظلّ اشتراط جهات عديدة قيام «سلطة انتقالية بقيادة مدنية» للتطبيع مع السودان، كما هو حال الاتحاد الأوروبي. وعلى رغم الموقف الدولي الضاغط، خصوصاً الأميركي منه، أشار خالد علي إلى أن «موقف المبعوث دونالد بوث كان داعماً للثورة، لكن لا نعوّل كثيراً على المجتمع الدولي».