القاهرة | لم يكن صعود المصادفة لمحمد مرسي ليتولى رئاسة مصر لعام واحد حدثاً عادياً في حياة المهندس، ابن الفلاح، الذي ولد في قرية العدوة التابعة لمحافظة الشرقية في الدلتا. صعودٌ جاء على رغم أن مرسي، الذي ترأس حزب «الحرية والعدالة» ــــ أول حزب تنشئه جماعة «الإخوان المسلمون» بعد «ثورة يناير» ــــ لم يكن يطمح للرئاسة. لكن الفرصة لم تتَح له من أجل تأدية مهماته رئيساً فعلياً للبلاد بسبب تدخلات الجيش والشرطة وأجهزة الدولة التي تآمرت بوضوح ضده، على رغم محاولاته المستمرة في تغيير القيادات، بِمَن فيهم وزير الدفاع ورئيس الأركان.وُلد مرسي لأسرة بسيطة: أب فلاح يمتلك أراضي محدودة، وأم ربة منزل، وأشقاء كان أكبرهم. التحق بكلية الهندسة في جامعة القاهرة ليحصل بعدها على منحة في الولايات المتحدة حيث حصل على الماجستير والدكتوراه بتفوق. جاء انضمامه إلى «الإخوان» رسمياً عام 1979، وبدأ ممارسة العمل السياسي مع الجماعة. انتخب نائباً في البرلمان عام 2000، ونجح في انتخابات 2005 وصار المتحدث الرسمي باسم كتلة «الإخوان» الـ88. عُرف بمواقفه الصدامية في أحيان كثيرة مع رجال حسني مبارك تحت قبة البرلمان. مواقف عدة سجلتها مضابط البرلمان، من أبرزها اعتراضه الدائم على تمديد «حالة الطوارئ».
محاكمة الرجل ظاهرها العدل وباطنها الظلم (أي بي أيه )

إبّان «ثورة 25 يناير»، أُلقي القبض على مرسي مع مجموعة أخرى من قيادات الجماعة، وجرى نقلهم بين أكثر من موقع قبل أن تستقر بهم الحال في سجن «وادي النطرون»، لكنه خرج منه يوم 28 كانون الثاني/ يناير 2011، المسمى «جمعة الغضب»، مع حالة الانفلات والفوضى التي أصابت البلد، وكان من بينها اقتحام منهجي للسجن الموجود في منطقة صحراوية.
بعدها، وعلى رغم انتخابه رئيساً لحزب «الحرية والعدالة»، ليضمن «الإخوانيون» ممارسة العمل السياسي بإطار شرعي في ظلّ ما تميزت به ما بعد «25 يناير» من انفتاح على إنشاء الأحزاب، فإن ترشحه للانتخابات الرئاسية جاء مدفوعاً بالرغبة في الحفاظ على وجود مرشح للجماعة في أول انتخابات رئاسية تعددية. ولذلك، دُفع به ليكون المرشح رقم 13 في قائمة الانتخابات خوفاً من وجود عوائق قانونية تؤدي إلى حذف نائب المرشد العام للجماعة، خيرت الشاطر، الذي كان طامحاً إلى تولي المنصب. هذا ما حدث بالفعل، إذ صار مرسي مع بداية السباق الرئاسي في انتخابات 2012 مرشح الجماعة الوحيد.
نجح الرئيس الإسلامي الراحل، بفضل تنظيم الجماعة في الشارع وقدرتها على الحشد، في الوصول إلى جولة الإعادة. ثم فاز بفارق يقترب من 1.5% على الفريق أحمد شفيق الذي كان يمثل نظام مبارك، ليبدأ رئاسة مدتها الرسمية أربع سنوات بموجب الدستور، لكن مدتها الفعلية لم تزد عن عام ويومين. تحرك الجيش لإزاحته من السلطة يوم 3 تموز/ يوليو 2013، بعدما اجتمع بقادة المعارضة، وتوافقوا على الإطاحة بمرسي من السلطة وبداية مرحلة انتقالية جديدة.
خلال عام حكمه، واجه مرسي محاولات مستمرة من أجهزة الدولة لإفشاله، ووضع العقبات في طريقه، وتوريطه أمام الرأي العام المصري. أشهرها تسريب نسخة الخطاب البروتوكولي الذي يرسل إلى رؤساء الدول مع تعيين السفراء الجدد، ومنها خطاب تعيين السفير المصري لدى تل أبيب، الذي بدأه بـ«عزيزي (شمعون) بيريز». أراد مرسي إحداث تغيير داخلي وخارجي في السياسة المصرية، فزار إيران، وكان حريصاً على استئناف العلاقات الرسمية معها، وهو ما رفضته أجهزة الدولة. كما تبنى مواقف داعمة للمقاومة الفلسطينية إبّان حرب غزة 2012، بل أرسل رئيس حكومته إلى القطاع في زيارة تاريخية لم تحدث منذ عقود، وهي سياسة لم تعجب السعودية والإمارات بوضوح، ما دفعهما إلى دعم انقلاب الجيش.
كان حريصاً على استئناف العلاقات مع إيران وهو ما رفضته أجهزة الدولة


صحيح أنه تورط في أخطاء كبيرة خلال رئاسته، منها محاولاته المستمرة الانفراد بالحكم، لكنه أخفق في احتواء المعارضة، وإدارة حوار ديموقراطي معها، فضلاً عن الانتقادات التي تعرض لها إعلامياً بصورة غير مسبوقة ولم تتكرر بعده، لكن ذلك لا يخفي رفض أجهزة الدولة تنفيذ قراراته، بل إعطاءها إياه معلومات غير صحيحة دوماً، إلى أن حرّضت على مواجهته حينما دعمت الشرطة التظاهرات ضده، وعملت على محاصرة منزله ومقر الحكم.
تعرض الرجل لظلم واضح خلال احتجازه على مدار ست سنوات، بدأت بمفاوضات معه من أجل قبوله التخلي السلمي عن السلطة. وقد احتجز في مقر الحرس الجمهوري لأيام قبل أن يُنقل إلى قاعدة بحرية في الإسكندرية. والتقى مبعوثة الاتحاد الأوروبي آنذاك، كاترين آشتون، في مقر احتجازه، قبل أن تبدأ الدولة تلفيق اتهامات له في قضايا كانت قد أُغلقت مع وصوله السلطة، في مقدمتها قضية حصار «قصر الاتحادية». هذه القضية تحديداً أغلقتها النيابة في عهده ثم أعيد اتهامه فيها ليصدر عليه حكم بالسجن المؤبد!
لم يحظَ مرسي بمحاكمة عادلة خلال السنوات الست. كانت محاكمته ظاهرها العدل وباطنها الظلم، فالرجل الذي لم يُسمح له بتلقي العلاج خارج السجن، واجه اتهامات في قضايا لا صلة له بها، وادعاءات ليس لها أي أساس من الصحة. كما لم يجد من ينصفه، فالقضاة الذين يحاكمونه هم أنفسهم الذين حاول عزل عدد كبير منهم لكونهم فاسدين، فكانت جميع جلسات محاكمته أشبه بمحاولات الانتقام منه.