قبل أيام، أعلن «تيار الحكمة»، بزعامة عمار الحكيم، تبنّيه خيار «المعارضة البناءة» لحكومة عادل عبد المهدي. وقال التيار، في البيان الصادر عن «مجلسه السياسي»، إنه «بناءً على مراجعة الرؤى والقناعات السابقة المطروحة، نعلن تبنّينا خيار المعارضة السياسية الدستورية الوطنية البناءة، والالتزام الكامل لهذا الخيار وما يقتضيه، وما يستلزمُه من دور وحراك وأداء ومواقف على الصعيد الوطني». اللافت أن هذا الإعلان جاء بعدما سجّلت «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني) أخيراً مواقف قاسية بحق معظم القوى السياسية، كذلك فإنه يستبق اشتعالاً متجدداً متوقعاً قريباً في المحافظات الجنوبية على خلفية تراجع الخدمات الحكومية. انطلاقاً من ذلك، قد تكون خطوة الحكيم محاولة لتظهير نفسه خارج إطار «المنظومة الحاكمة»، التي وصفتها «المرجعية» بـ«المتكالبة على المناصب والمواقع، والحائلة دون استكمال التشكيلة الوزارية»، منتقدة أيضاً الحكومة العاجزة عن مقابلة الفساد بـ«خطوات عملية واضحة للحد منه، ومحاسبة المتورطين فيه»، إضافة إلى «البيروقراطية الإدارية، وقلّة فرص العمل، والنقص الحاد في الخدمات الأساسية».سريعاً، تُرجم قرار «الحكمة» في البرلمان. إذ أبلغ رئيس الكتلة (19 نائباً)، رئيس المجلس محمد الحلبوسي، تحوّلها إلى «المعارضة» رسمياً. خيار لا يعني، وفق مقربين من الحكيم، «معارضة النظام ولا الفريق الحاكم، إنما معارضة آليات الحكم». يؤكد هؤلاء، في حديثهم إلى «الأخبار»، أن الحكيم أبلغ عبد المهدي قراره قبيل إعلانه بأسابيع، ويقولون إن «الحكمة» مكون أساسي داخل الدولة ومؤسساتها، «نحن جزء منها ولن نتخلى عن ذلك، لكننا لسنا جزءاً من آلية اتخاذ القرار». وعن آليات «العمل المعارِض»، كما يسمّونه، خلال الفترة المقبلة، يوضحون أن «الهدف ليس إسقاط الحكومة، بل عملٌ على تقويم تجربتها... تحديد مكامن الخلل في أدائها»، من دون أن يسقطوا «الخيار الثاني»، أي محاولة إسقاطها في البرلمان أو في الشارع، «فإن دُفعنا إلى اتخاذ قرار كهذا، فلن نتردّد أبداً».
مقربون من الحكيم: المعارضة لا تعني معارضة النظام، بل آليات الحكم


عملياً، سيعكف الحكيم، وفق مصادره، على رصد «أخطاء الحكومة» تمهيداً لـ«محاسبتها وفق الأطر الدستورية». أما في المرحلة الثانية، فسيُعمَل على «تمتين» التحالفات السياسية، ومحاولة تشكيل حالة شعبية بحيث «يمكن أن نكون مؤثرين في الحراك المرتقب في اللحظة السياسية المناسبة». في هذا الإطار، ينتظر التيار انضمام كلّ من «النصر» بزعامة حيدر العبادي، و«الوطنية» بزعامة إياد علّاوي، و«القرار» بقيادة أسامة النجيفي وصالح المطلك، إليه، إلى جانب «حركة التغيير» الكردية المعارضة، فيما يجري العمل على استمالة «الاتحاد الوطني الكردستاني». وبحسب تقديرات «الحكمة»، فإن هذا «التجمع المعارض» قد يصل عداده إلى 100 نائب، في ما تصفه مصادر التيار بأنه «تكتل وازن ومزعج للحكومة»، لكن «من غير الممكن إسقاطها، إذ تحتاج هذه الخطوة إلى 165 نائباً».

لماذا «المعارضة»؟
على رغم الشعارات ذات الطابع «الإصلاحي» التي يرفعها عرّابو مشروع المعارضة، مستفيدين في ذلك من العجز عن إتمام التشكيلة الحكومية وما يستتبعه من جمود في تطبيق «البرنامج الوزاري»، إلا أن مشروعهم يبدو أقرب إلى محاولة تعويض خساراتهم السياسية. يبدو ذلك واضحاً من وصف مصادر «الحكمة» الحكومة الحالية بأنها حكومة «الحشد الشعبي»، أو حكومة «تحالف الفتح»، واعتبارها أن «الأحزاب المكوّنة للفصائل هي الممسكة أولاً وأخيراً بالقرار الحكومي»، و«هو أمرٌ غير مقبول» بالنسبة إلى التيار. حيدر العبادي، أيضاً، الساعي للعودة إلى رئاسة الحكومة بأيّ ثمن، يَظهر انضمامه إلى هذا المعسكر محاولة لتعبيد الطريق أمام تحقق «حلمه»، وكذلك إعادة الاعتبار إلى كتلته المنشطرة على نفسها. أما علاوي والنجيفي والمطلك، فيريدون ـ من جهتهم ـ اجتذاب القواعد «السُّنية»، بطرح خيارات متمايزة عن القوى الأخرى، وتحديداً تحالف «القوى العراقية» (انتخب أخيراً الحلبوسي رئيساً له، ويضمّ نحو 40 نائباً)، تظهّر إمكانية التغريد خارج سرب «المكوّن الشيعي عموماً، والقوى الموالية لطهران خصوصاً»، وفق مصادر «القرار». وبالنسبة إلى «التغيير»، فهي تفضّل خيار «المعارضة» لـ«تساهل» بغداد مع حكام «إقليم كردستان»، أي «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، و«مساهمتها» في تعزيز «سطوة» الأخير على «الإقليم».