جوبا | في ظلّ تصعيد تحالف قوى «إعلان الحرية والتغيير» في الشارع، ردّاً على مضيّ المجلس العسكري في فرض رؤيته للمرحلة الانتقالية بالاتجاه نحو تشكيل حكومة «تكنوقراط» وإجراء انتخابات من طرف واحد، يطرح رئيس دولة جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، مبادرة وساطة جديدة بين الطرفين، في ظلّ إصرار أفريقي وأميركي على الوساطة التي يقودها رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، والتي تطالب بالإسراع في عملية الانتقال السياسي وتكوين حكم مدني، من دون ممارسة ضغوط حقيقية في سبيل تحقيق ذلك. وعلى رغم هشاشة الوساطة الأفريقية ــــ الأميركية التي لا تزال عالقة عند عدم إيفاء المجلس بأيٍّ من شروط «الحرية والتغيير» للعودة إلى التفاوض، يسعى العسكر إلى التملّص منها، فيما تبدو مبادرة جوبا بوّابته إلى ذلك. لكن مستشار الرئيس كير، توت قلواك، نفى بعد لقائه رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان، خلال زيارة للخرطوم أول من أمس، أن تكون المبادرة ضد المبادرات الأخرى، معتبراً أن علاقة جوبا الوطيدة مع الخرطوم «تجعلنا أحق بالوساطة، وأكثر حرصاً على تعزيز الاستقرار».
تُعبّر مبادرة كير عن مخاوفه من انهيار اتفاق السلام وانتقال عدوى «الثورة»

وتأتي مبادرة سلفاكير بعد زيارة للبرهان إلى جوبا، في إطار بحثه عن دعم إقليمي إضافي، إثر إعلان الاتحاد الأفريقي تجميد عضوية السودان، علماً بأن جنوب السودان هو الأقرب إلى محور «الثورة المضادة» الذي تحركه مصر على مستوى القارة، بتنسيق مع السعودية والإمارات. لكن محلّلين يرون أن المبادرة لن تحقق أهدافها المرجوة، لأسباب عدة، يذكر رئيس تحرير صحيفة «صوت جنوب السودان» الإلكترونية، ماركو أنقوك، من بينها، «ضعف العلاقة بين جوبا والخرطوم بعد إطاحة البشير، وصعود مجلس البرهان». ويستبعد أنقوك، في حديث إلى «الأخبار»، وجود أي تأثير من الجنوب على العسكر أو قوى «الحرية والتغيير»، في ظلّ «تعقيدات لا تحتاج إلى مزيد من الوساطات التي تتحرك في إطار مصالح الدول صاحبة المبادرة نفسها»، مشيراً إلى أن «المساهمة الوحيدة» التي يمكن أن يقدمها جنوب السودان في هذا الإطار هي أن «يضمّ صوته إلى داعمي المبادرات الإقليمية المقدمة». وختم بأن «أي مبادرة فردية للتوسط في الأزمة لن يكتب لها النجاح، فهناك عدد من الملفات العالقة والمفتوحة بين جوبا والخرطوم، من شأنها أن تعيق العلاقة بين البلدين، مثل قضايا الحدود ومنطقة أبيي المتنازع عليها».
في المقابل، يرى القيادي في المعارضة المسلحة، الموقعة على اتفاق السلام الذي يرعاه السودان، أقوك ماكور، إمكانية لـ«نجاح مبادرة الرئيس كير، لأنه الأكثر إلماماً بأوضاع السودان وظروفه، فهو كان جزءاً منه». ويرجع ماكور، في حديث إلى «الأخبار»، التأخر في طرح المبادرة إلى «انشغال جنوب السودان بأوضاعه الداخلية التي لا تقلّ تعقيداً عن الأزمة السودانية»، لكنه يعتبر أن المبادرة «ينطبق عليها المثل القائل: أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي». ويلفت ماكور إلى أن «من مصلحة جوبا استقرار السودان، مثلما قامت الخرطوم برعاية مباحثات السلام الخاصة بالجنوب العام المنصرم»، مضيفاً إن من دواعي مبادرة كير أن «ما يحدث في الشمال يلقي بتأثيرات على الأوضاع في الجنوب»، إذ إن البلدين تربطهما حدود تُعدّ الأطول على مستوى القارة، كما أن مورد النفط الذي تعتمد عليه خزينة جوبا يتم تصديره عبر الأراضي السودانية. لكن الأهم من ذلك، هو إمكانية انتقال المطالب الثورية ذاتها إلى الجنوب، ولا سيما أن الأخير يعاني أوضاعاً سياسية واقتصادية بالغة السوء.
وفي هذا الإطار، يرى الكاتب في صحيفة «ذا داون»، منشول دينق، في حديث إلى «الأخبار»، أن مبادرة جوبا تأتي هذه المرة تعبيراً عن «مخاوف الحكومة من انهيار الأوضاع في السودان، أو استمرار الحراك الثوري الذي يمكن أن يقود إلى توقف إنتاج النفط»، مضيفاً إن توسط الرئيس كير يُنتظر منه أيضاً «إخماد الأصوات الشبابية في الجنوب، والتي تدعو عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى الخروج إلى الشارع من أجل إسقاط النظام».