الجليل المحتل | على جانب الطريق الممتد بين مسجد شهاب الدين، الذي لا يخلو من المصلين والزائرين، وكنيسة البشارة في الناصرة، يجلس أسامة حسن من قرية المشهد (الجليل الأسفل) شمال فلسطين المحتلة، منتظراً أذان الظهر، دون تأفف من حرارة الشمس الحارقة. يلحظني الرجل فيبادر بابتسامة، قبل أن أفاجئه بالسؤال: «ما رأيك بورشة البحرين يا عم؟». «ولك أي ورشة بحرين؟». فسّرت، وقدمت شروحاً عن الإغراءات الماليّة التي سيقدمها صهر الرئيس الأميركي بحرفة خبير اقتصاديّ. لم «تخرط» المحاضرة «مشطه»: «مش فاهم شو قصدك؟». هل سمعت بـ«صفقة القرن»؟، «أه إلا! ولكن كل الصفقات التي ستبيعنا ستموت قبل أن تولد. وعلى كل من يُشارك بها أن يحسّ بالعار». ليس بعيداً عنه، وفي الجهة المقابلة، عند أول مدخل سوق الناصرة الصامد أمام كل محاولات التهويد، يجلس العم أحمد الفاهوم. الرجل في الستين من عمره، عايش حروباً كثيرة، ويبدو أنه ملّ من ورشات التطبيع. «أي ورشة؟ البحرين؟ صفقة القرن؟ حسناً هذا كله مصيره الفشل، أنا واثق من أن هناك مواقف مشرفة من الشعوب العربية، وحتى مواقف دوليّة وغربية داعمة لنا. وهذه الورشة ملتقى المطبِّعين والمهرولين لأحضان الصهيو ــــ أميركية. هذه أصلاً ورشة سياسية وليست اقتصادية. المشاركون لن ينالوا أيّ مبالغ».
«من كل عقلهم يأخذونا ع السعودية؟ لولا فريضة الحج ولا بندعس هناك»


بالنسبة إلى الوعود الاقتصادية الهائلة التي وصلت إلى مليارات الدولارات، والتي من المفترض أن تموّلها دول الخليج المشاركة، وبعض مستثمري القطاع الخاص، ويتطلب تنفيذها عشريّة، يقول الفاهوم إن «الشعب الفلسطيني لن تغريه أموال الدنيا من أجل التنازل عن حقه في وطنه. اتفاقات السلام التي وُقِّعَت بين إسرائيل وزعماء عرب، بدل أن تحسن شروط حياة الناس قلبتها إلى جحيم». كيف؟، «السادات مثلاً عندما وقّع اتفاقية كامب ديفيد، وعد الشعب المصري بالانفتاح الاقتصادي. انظروا إلى وضع الشعب المصري الآن. وعندما وُقِّعَت صفقة غزة وأريحا، قالوا أولاً إن الضفة ستصبح هونغ كونغ، ونحن اليوم نشاهد وضع الضفة. الوعود انتقلت من الأرض مقابل السلام إلى الأرض مقابل المال».
أحد أصحاب المحلات الشهيرة في شارع توفيق زياد يسخر من الأنباء الواردة من الرياض، وفيها أن الأخيرة وجدت «تصريف لفلسطينية الـ48»، إذ تعطيهم الإقامات الدائمة على أراضيها وتسهيلات ماليّة وتسمح لهم بتملك العقارات. «من كل عقلهم يأخذونا ع السعودية؟ لولا فريضة الحج ولا بندعس هناك».
عموماً، يرفض فلسطينيو الـ48 الورشة الاقتصادية التي انطلقت مساء أمس في المنامة، ويرون في عنوانها خدعة وتزييفاً من أجل المساومة على حقوقهم، وإضفاء شرعية دولية على واقع يجري تنفيذه على الأرض: تمدد المستوطنات في الضفة المحتلة تمهيداً لضمها إلى إسرائيل، سنّ عشرات القوانين العنصرية، وأهمها قانون أساس يهودية الدولة (قانون القومية)، الاعتراف الأميركي وبعض الدول بالقدس «عاصمة لإسرائيل» وبسيادة الأخيرة على الجولان المحتل. صحيح أن الحالة العامة في الأرض المحتلة تقلّل أهمية المؤتمر ومخرجاته، ولا سيما أن منظميه نعوه قبل أن يولد، لكن الفلسطينيين في كل الأحوال تعلموا درساً: لو لم يبقَ لنا غير شبر أرض، فإننا سندفن تحته ولا نرحل.