تُلقي المساعي الدولية لاستئناف المفاوضات بين المجلس العسكري وتحالف قوى «إعلان الحرية والتغيير» بظلالها على المشهد السوداني، من دون أن تُنهي مظاهر التصعيد من قِبَل الطرفين، المتمثلة من جهة في اتجاه العسكر إلى فرض مرحلة انتقالية تتضمن تشكيل حكومة من طرف واحد، بالتعاون مع قوى سياسية وقبلية تقصي التحالف المعارض، ومن جهة أخرى في استمرار مظاهر الاحتجاجات عشية مسيرة مليونية غداً (الأحد) للمطالبة بتسليم السلطة فوراً.وبعدما رفض المجلس العسكري المبادرة الإثيوبية التي يقودها رئيس الوزراء، آبي أحمد، منذ ثلاثة أسابيع، باعتبارها أتت منفردة ومنفصلة عن مبادرة أخرى للاتحاد الأفريقي، قدم الوسيطان الإثيوبي والأفريقي «وثيقة مشتركة» أمس، لإزاحة العراقيل من طريق الوساطة المسدود، من خلال تلبية طلب المجلس من جهة، والعمل على معالجة «بعض الملاحظات» التي وضعتها قوى «الحرية والتغيير» على المبادرة الإثيوبية، والتي وافقت عليها بالمبدأ، من جهة أخرى.
ويبدو مضمون المبادرة المشتركة، بالمقارنة بينها وبين كلّ من «الإثيوبية» و«الأفريقية» ــــ بحسب المعلومات المتوفرة عنها ـــ، كمسودة جديدة تتشابه مع كلّ منهما في نقاط وتختلف في أخرى. فبشأن الاتفاقات السابقة، تلغي المسودة الجديدة الاتفاق الذي يقضي بحصول قوى «الحرية والتغيير» على 67% من مقاعد البرلمان، إذ تقترح أن تتم «مناقشة نسب البرلمان، وموعد تشكيله، بعد إعلان الحكومة التنفيذية ومجلس السيادة»، بحسب ما كشفت مصادر مطلعة في «الحرية والتغيير»، بعدما كانت «الأفريقية» تقترح توزيع عضوية البرلمان مناصفة على الطرفين، بحيث يحصل كل طرف على 50 بالمئة منها. في المقابل، أبقت المبادرة الجديدة الاتفاق السابق بأن تتولى قوى «الحرية والتغيير» منفردة تشكيل الحكومة الانتقالية، واقترحت أن تُشكَّل «من 17 حقيبة وزارية، وتعيين رئيس الوزراء»، بعدما كانت «الإثيوبية» قد اقترحت أن يتألف «المجلس التنفيذي من تكنوقراط يختارهم رئيس الوزراء الانتقالي بناءً على مزايا مهنتهم، بالتشاور مع الحرية والتغيير»، على أن يوافق عليه «المجلس السيادي»، بينما اقترحت «الأفريقية» أن يحصل كل طرف على 50 بالمئة في الحكومة. ومن ناحية «المجلس السيادي»، وهو الخلاف الأهم، توافقت مسودة المبادرة الجديدة مع «الإثيوبية» و«الأفريقية» معاً على أن يضمّ سبعة مدنيين وسبعة آخرين عسكريين، على أن يتم التوافق على شخصية مدنية ثامنة لترؤس هذا التشكيل الذي يمثل رأس الدولة، لكنها تتطرق بحسب ما كشفت المصادر إلى تفاصيل أتت «الإثيوبية» على ذكرها، من سبيل أن يرأس كل من الطرفين المجلس ثمانية عشر شهراً بالتوالي، يبدأ بها المجلس العسكري.
لا تزال مسودة الوساطة الأفريقية ــــ الإثيوبية على طاولة طرفَي التفاوض


حتى الآن، لا تزال مسودة الوساطة الأفريقية ــــ الإثيوبية المشتركة على طاولة طرفي التفاوض لدراستها والرد عليها. إذ أعلنت «الحرية والتغيير» أنها ستدرس المسودة لاتخاذ قرار في شأنها، فيما لم يعلن المجلس العسكري موقفاً منها، ويفترض أن تكون قد سُلّمت له. لكن مصادر في قوى «الحرية والتغيير» توقعت أن «يرد الطرفان على المسودة في غضون الـ 48 ساعة المقبلة»، أي بالتزامن مع المسيرة المليونية التي دعا إليها «تجمع المهنيين السودانيين»، حاثاً على تحويل ذكرى انقلاب الرئيس المعزول عمر البشير عام 1989، والتي تصادف الـ 30 من حزيران/ يونيو، إلى تظاهرات صاخبة ضد المجلس العسكري.
بموازاة المساعي الدولية هذه، يستمر «العسكري» في مساعٍ محلية وإقليمية انطلقت قبل رفضه المبادرة المدعومة أميركياً وأوروبياً، من شأنها إقصاء «الحرية والتغيير» من الحكومة العازم على تشكيلها، أو على الأقل خفض نسبة تمثيلها، من خلال تفعيل وساطات من سبيل تلك التي تقترحها دولة جنوب السودان المدعومة مصرياً، والتي من شأنها توسيع مروحة المفاوضات مع قوى سياسية وحركات مسلحة وقبلية بعضها كانت مشاركة في النظام البائد، وظلت تدافع عنه حتى سقوطه. إذ تسعى جوبا إلى إشراك الحركات المسلحة في المفاوضات بعد اتفاق «سلام» مع «العسكري»، الذي بدوره شكل «لجنة عليا» للتواصل معها برئاسة نائب رئيس المجلس، محمد حمدان دقلو، الملقب بـ«حميدتي». ومن بين هذه الحركات من لها صلة مباشرة ببعض مكونات قوى «الحرية والتغيير»، مثل «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي، الذي يشغل موقع الأمين العام لتحالف «نداء السودان»، الذي يتزعمه رئيس حزب «الأمة القومي» الصادق المهدي، والذي بات يُغرد خارج سرب التحالف الذي ينضوي فيه، إذ يرفض مسيرة الأحد المليونية، والمبادرة الإثيوبية، ويقترح دمج كل المبادرات، في سبيل تقديم نفسه كرجل وسطي. ويبرز التقارب بين المجلس والمهدي أكثر في ظلّ محاولات «العسكري» التواصل مع الحركات المسلحة، في إطار وساطة جوبا، وآخر مظاهرها لقاء «حميدتي» بمناوي في العاصمة التشادية أنجمينا، الخميس الماضي، بحسب ما ذكرت صحيفة «الصيحة» المقربة من «حميدتي»، إذ أكد الأخير، قائد «الدعم السريع»، أنه سيتم خلال يومين إطلاق سراح أسرى عقب اتفاق مرتقب مع مناوي، الذي يرأس حركة متمردة في دارفور كانت تقاتل نظام البشير قبل أن توقّع معه اتفاق سلام في أبوجا في نيجيريا.