يقول أبو مازن، القادم إلى العاصمة دمشق بعد خروجه بشقّ الأنفس من المنطقة الشرقية، إن من عَلِقوا في مخيمات المنطقة الشرقية «قد لا يعودون إلى مناطقهم الأصلية، بفعل التطور الاقتصادي الذي حصلوا عليه نتيجة خلق فرص عمل في المناطق التي نزحوا إليها». يؤكد الرجل أن البقاء في تلك المخيمات كان خياراً للكثيرين، فـ«الدخول إلى المدن قد يؤمن حياة أسهل، لكنه يعني الخضوع لسطوة أصحاب البيوت الذين يتلاعبون ببدلات الإيجار وفقاً لأهوائهم».
«الركبان»: رعيٌ وتجارة مواش!
طول المدة الزمنية للحياة في منطقة صحراوية، دفع بعض سكان مخيم «الركبان» إلى البحث عن مصادر رزق لتأمين معيشتهم، في مخيم رَمَتْه التجاذبات الدولية تحت رحمة الفصائل المنتشرة في محيطه، في انتظار التوافق الدولي على تفكيكه. هكذا، وجد أبو عمار نفسه يبحث عن «مشروع عمل»، ليجد ضالّته في استثمار قطعة أرض محيطة بخيمته، ويزرعها ذرة بيضاء، رغم انعدام مصادر المياه الطبيعية. يؤكد الرجل المنحدر من قرية السوسة في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي، أنه لا يفكر في العودة إلى مسقط رأسه، لأنه بات يمتلك أرضاً يمكنه مواصلة استثمارها لمدة طويلة. ومع أنها ملك الدولة، إلا أن الأخيرة «لن تمانع إحياء الصحراء»، كما يرى الرجل الذي هرب من قريته بسبب ممارسات تنظيم «داعش». يقول: «إن كتب لنا القدر أن نعود إلى السوسة، فسأقترح على أحد أبنائي أن يبقى في بيتنا هذا. سأزوّجه وأبقيه هنا قرب مشروعنا الجديد». ويضيف: «سأعمل على أن يكون وجودي في هذه الأرض قانونياً، إذا تم تفكيك المخيم بعد اتفاق الدول على ذلك».
بدوره، يؤكد حسين أن «بقاء جزء من سكان مخيم الركبان في المنطقة أمر متوقع». ويقول إن «البعض بدأ بتجارة المواشي، فالمنطقة تؤمن الظروف الملائمة من مساحات ومراعٍ، والقرب من الحدود السورية والأردنية يفتح آفاق العمليات التجارية بين الدولتين بالمواشي والأعلاف». أما مدرّس اللغة العربية إسماعيل، فيرى أن «من مصلحة الحكومة السورية إنشاء تجمع سكاني في المنطقة، بما يسهم لاحقاً في إنعاش المنطقة الصحراوية كاملة، والاستفادة من هذه المساحات في تنمية الثروة الحيوانية لتعويض ما خسرته الدولة في هذا القطاع خلال سنوات الحرب».
يستفيد قاطنو «الركبان» ممّا توفّره المنطقة من مراعٍ واسعة لتربية المواشي


«العريشة» بين الصيد والتجارة
إلى الجنوب من مدينة الحسكة بحوالى 15 كيلومتراً، نشأ مخيم «العريشة»، المعروف أيضاً باسم «مخيم السد»، إبان المعارك بين «قوات سوريا الديموقراطية» و«داعش» في صيف عام 2017. حتى الآن، لا يُعدّ المخيم «رسمياً»، بل إنه يحمل صفة «نقطة تجميع وتفتيش». لدى «الإدارة الذاتية» خطط لتفكيك هذا التجمع الذي تسكنه 1971 أسرة، ونقل قاطنيه إلى مخيّمَي «الهول» و«المبروكة» في محافظة الحسكة. يرفض سكان «السد» تلك الخطط لأسباب عديدة، أهمها الازدحام وسوء الخدمات في المخيمين المذكورين. يأتي هذا الرفض على رغم سوء الأحوال المعيشية في «مخيم السد»، بفعل ارتفاع مستوى المياه في بحيرة سد الحسكة الجنوبي، ما يتسبّب في غرق الجزء الأكبر من المخيم، إضافة إلى مخاطر انتشار الأمراض الجلدية المعدية في الصيف وكثرة الزواحف الخطرة كالأفاعي والعقارب. يرى أبو محمد أن البقاء في «العريشة» أفضل لسكانه من الانتقال إلى أيّ مخيم آخر. يقول إن «بعض من بدأوا بالعمل في مهن جديدة، كصيد الأسماك من بحيرة السد، قد لا يغادرون منطقة المخيم بعد انتهاء الحرب، أو السماح لهم بالعودة إلى قراهم الأصلية في ريف دير الزور». ويضيف: «بعض الأسر نشأت في المخيم، بعد حالات الزواج التي حدثت فيه. سيكون من الجيد للشبان الذين كوّنوا أسراً جديدة أن يبقوا قرب مصدر رزقهم الجديد، بحيرة السد».
تؤكد أم مريم أن البقاء في العريشة أو عدمه مرهون بموقف زوجها الذي افتتح مقهى، كما بدأ العمل في تجارة المواد الغذائية. وتقول: «لا مانع من البقاء هنا، بتنا نمتلك بيتاً طينياً ومقهى، والمثل الشعبي يقول: مكان ما ترزق إلزق». في الوقت نفسه، تشير السيدة الأربعينية إلى أن المنطقة «بحاجة إلى الخدمات الأساسية إن قرر البعض البقاء فيها، كالكهرباء والاتصالات، والإبقاء على المستوصف مفتوحاً من قِبَل الدولة السورية حين عودتها إلى المنطقة».