الحسكة | لم تكفِ فلاحي محافظة الحسكة مصيبة الحرائق التي التهمت محاصيل آلاف الدونمات، وأدّت إلى خسائر بمليارات الليرات، ليأتي قرار الحكومة السورية إيقاف تسلّم القمح والشعير في الحسكة، ويحبط آمال آلاف الفلاحين الذين لا تزال أقماحهم تنتظر على أبواب المراكز. تضارب السلطات بين الحكومة و«الإدارة الذاتية»، ومنع الأخيرة الفلاحين من تسويق محاصيلهم باتجاه مناطق سيطرة الحكومة، أفضى إلى ضياع فرصة تسلّم أكثر من مليون ونصف مليون طن من القمح، كان يمكنها أن تسدّ حاجة البلاد لعام كامل.
«خسائرنا كبيرة»
يقف أبو محمد، برفقة شاحنة تحمل أقماحه على مقربة من «مركز الثروة الحيوانية» الحكومي لتسلّم الأقماح، في انتظار تراجع الحكومة السورية عن قرارها، ما يجنّبه خسارة كبيرة في موسمه هذا العام. يقول الرجل لـ«الأخبار»: «كان موسمنا وفيراً هذا العام، وتوقعنا أن نعود إلى الزمن الذي كانت المواسم تدرّ فيه الخير على كل الناس... بعدما تكلّفنا مليوناً و200 ألف ليرة أجور شحن وأكثر منها ثمن أكياس فارغة، جاء القرار ليتسبب بخسارة كبيرة، يصعب تعويضها». أما أبو خالد فيرى أن «قرار الحكومة خاطئ، وسيؤدي إلى امتناع الفلاحين عن تسديد ديونهم إلى المصارف الزراعية الحكومية، من غلّة هذا الموسم»، لافتاً إلى أن القرار «قد يخلق أزمة ثقة في المواسم المقبلة، ما يهدّد بموجات إضراب عن الزراعة وتراجع كبير في الإنتاج». ويأمل أبو خالد التراجع عن القرار، والسماح للفلاحين بالتسليم «أقلّه الذين قطعوا شهادات منشأ، والذين لا تزال آلياتهم تنتظر على أبواب المراكز، ويخسرون يومياً 25 ألف ليرة أجرة للشاحنات».

لِمَ القرار؟
لم تكن المؤشرات، لجهة النواقص في موسم تسويق الحبوب من أكياس فارغة ومستلزمات أخرى، تدلّ على أن هناك استعداداً لتسلّم مليون طن على الأقل، هو إنتاج فلاحي الحسكة هذا العام، في المركزين الحكوميين الوحيدين في جرمز و«الثرورة الحيوانية». ولعلّ قرار «الإدارة الذاتية» منع تسويق القمح خارج مناطق سيطرتها، هو ما وضع قرار تسلّم كامل الكميات على طاولة اللجنة الاقتصادية في رئاسة الوزراء، والتي أقرّت إيقاف تسلّم القمح والشعير في مراكز الحسكة. ويقرّ المدير العام لـ«السورية للحبوب»، المهندس يوسف قاسم، في حديث إلى «الأخبار»، بأن «سبب إيقاف عمليات شراء الأقماح من الفلاحين في مراكز الحسكة، يعود إلى منع ما يسمّى الإدارة الذاتية وصولها إلى باقي المحافظات السورية، ما سيجعل تكدّس كميات كبيرة في الحسكة مدخلاً إلى هدر مبالغ كبيرة، من دون أي جدوى». ويبين قاسم أن «الكميات التي تم شراؤها في الحسكة، والتي تجاوزت 390 ألف طن تكفي حاجة المحافظة لعامين»، لافتاً إلى أن «من غير المعقول أن تكون هناك كميات في محافظات تكفيها لعامين، ومحافظات أخرى لا تكفيها مخازنها لأشهر». ويكشف المدير العام لـ«الحبوب» أن «المؤسسة أتاحت للفلاحين في الحسكة فرصة الشحن إلى مراكز حلب وحماة والرقة ودمشق، مع التكفل بكامل نفقات الشحن»، مؤكداً أنه «وفق المعطيات الحالية، فإن القرار نهائي»، وناصحاً الفلاحين بـ«نقل إنتاجهم إلى المراكز المحدّدة، والاستفادة من السعر الحكومي المجزي».
لا تزال أكثر من ألف سيارة شحن متوقفة على أبواب المراكز الحكومية


وفي السياق، يؤكد مصدر في وزارة الزراعة، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الوزارة لم تقل يوماً إنها ستشتري كامل كميات الشعير من الفلاحين، لأن الإنتاج هذا العام يفوق حاجة البلاد بأضعاف»، مضيفاً إن «المؤسسة العامة للأعلاف تسلّمت حاجتها وفق الطاقة التخزينية المتوفرة، وتوقفت عن الشراء». ويلفت المصدر إلى أن «السعر الحكومي المجزي أدى إلى رفع سعره في السوق المحلية... وفتح باب التصدير للمادة، بما يؤدي إلى ضمان بيعها في السوق بأسعار جيدة وتناسب الفلاحين».

«الإدارة الذاتية» إلى الاستيراد
تقول «الإدارة الذاتية» إنها تحتاج سنوياً بين 800 و900 ألف طن من القمح لتلبية احتياجات السكان في مناطق سيطرتها. ووفق تصريحات منسوبة لرئيس «هيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا»، سلمان بارودو، فإن «الإدارة الذاتية ستلجأ إلى استيراد القمح من الداخل أو الخارج، لتلبية احتياجات السكان في مناطقها من الطحين والبذار». وأشار بارودو إلى أن «مراكز الإدارة الذاتية تسلّمت حتى الآن أقل من 400 ألف طن، وأنها ستسد العجز عبر الاستيراد»، مؤكداً أن «الإدارة الذاتية لن تسمح بتصدير القمح والشعير خارج مناطق سيطرتها»، في خطوة معاكسة للسنوات السابقة، التي كانت تقوم فيها الحكومة السورية بنقل قمح الجزيرة باتجاه بقية المحافظات، عبر شركة خاصة.

الفلاحون رهن الأمل
يتجمع عشرات من الفلاحين يومياً أمام مقار الروابط الفلاحية، واتحاد فلاحي محافظة الحسكة، أملاً بصدور قرار حكومي معاكس. رئيس اتحاد فلاحي الحسكة، ذياب الكريم، طالب في حديث إلى «الأخبار» الحكومة السورية بالتراجع عن القرار، مؤكداً أن «أكثر من ألف سيارة لا تزال متوقفة على أبواب المراكز الحكومية، أملاً بتسلّم الأقماح المحمّلة». كذلك، أبدى رئيس اتحاد فلاحي الحسكة تخوفاً من أن ينعكس هذا القرار سلباً على القطاع الزراعي في الحسكة التي «لا يثق فلّاحها إلا بالحكومة ويعلّق كل آماله عليها». ويرى الرجل أن «المؤشرات كانت جيدة لتسديد الفلاحين الديون المتراكمة عليهم، مستفيدين من القانون 46 الذي أعفاهم من كامل الفوائد السابقة، مع تقسيط الديون لعشر سنوات قادمة»، معتبراً أن «القرار الأخير نسف كل هذه الآمال».