كذلك، رفض قايد صالح اشتراط «هيئة الوساطة والحوار» فكّ التدابير الأمنية حول العاصمة في أيام التظاهر، ووصف هذه الدعوة بـ«المشبوهة وغير المنطقية»، معتبراً أن هذه التدابير تهدف إلى الوقاية وتفادي اختراق المسيرات. ويُعاني آلاف الجزائريين، أيام الجمعة، من صعوبة الوصول إلى العاصمة، بفعل الحواجز الأمنية الكثيرة المنصوبة عند كل مداخلها، ما يجعل من حركة التنقل في هذا اليوم جحيماً، حتى لأولئك الذين لا يشاركون في المسيرات.
يواجه يونس ضغطاً من الشارع الرافض للطريقة التي تشكلت بها «هيئة الحوار»
يضع خطاب قايد صالح رئيس الدولة المؤقت، عبد القادر بن صالح، في حرج شديد، لكون الأخير تعهد خلال لقاء تنصيب «هيئة الحوار» بالنظر في تحقيق هذه الشروط. وأكد بن صالح، حينها، أنه مستعد لدعوة العدالة إلى «دراسة إمكانية إخلاء سبيل الأشخاص الذين تم اعتقالهم لأسباب لها علاقة بالمسيرات الشعبية»، و«النظر في إمكانية تخفيف النظام الذي وضعته الأجهزة الأمنية لضمان حرية التنقل، حالما لا يؤثر ذلك على مستلزمات الحفاظ على النظام العام وحماية الأشخاص والممتلكات أثناء هذه المسيرات».
وتثبت هذه التطورات، وفق مراقبين، ضعف هامش المناورة لدى رئيس الدولة المؤقت، في مقابل هيمنة المؤسسة العسكرية، وهو ما يجعل القرار في نهاية المطاف بيدها. واللافت أن خطاب رئيس أركان الجيش تضمن إشادة بالحوار، لكن في الحدود المسموح بها، بحيث يجب أن يقتصر على الانتخابات الرئاسية وتهيئة الظروف الملائمة لتنظيمها في أقرب الآجال، من دون أن يخضع، كما قال، لـ«أسلوب وضع الشروط المسبقة التي تصل إلى حدّ الإملاءات».
تبقى الأنظار مشدودة إلى موقف منسق «هيئة الحوار»، كريم يونس، الذي نبّه قبل ثلاثة أيام إلى أنه لا يمكن الانطلاق في الحوار إذا لم تتمّ إجراءات التهدئة التي حصرها في إطلاق سراح معتقلي الحراك، وفكّ التضييق على العاصمة، وفتح الإعلام العمومي على المعارضة، والعمل على تغيير الحكومة. وكان يونس متمسّكاً بعذر أن هذه الإجراءات ستأخذ بعض الزمن، لكنها ستُنفذ في الأخير ما دام رئيس الدولة قد تعهد بها، لكن المعطيات تغيرت تماماً اليوم بعد خطاب رئيس أركان الجيش، المُعاكس تماماً لخط سير الرئاسة.
وعدا تجاهل السلطة لشروطه، يواجه كريم يونس ضغطاً كبيراً من الشارع والمعارضة الرافضة للطريقة التي تشكّلت بها «هيئة الحوار»، إذ رفع العديد من المتظاهرين، في يوم الجمعة الأخير، لافتات تتهم يونس بالانخراط في أجندة السلطة التي تُحاول، بحسبهم، تزيين واجهتها بحوار شكلي، في حين تنفّذ في الخفاء أجندتها الرامية إلى إعادة تجديد النظام في انتخابات رئاسية على المقاس. وأدى ذلك بيونس إلى طلب نجدة العديد من الشخصيات للانضمام إلى «هيئة الحوار»، لكن من دون جدوى، فقد رفض كل من رئيس الحكومة سابقاً، مولود حمروش، ووزير الخارجية سابقاً، أحمد طالب الإبراهيمي، والمحامي والحقوقي الناشط في الحراك، مصطفى بوشاشي، والعديد من الأسماء التاريخية، أن يكون لهم أي دور في عمل هذه الهيئة.
ويُرجّح كثيرون أن يُقدّم يونس ــــ الذي اشتهر بمعارضته للولاية الثانية للرئيس السابق بوتفليقة ــــ استقالته من «هيئة الحوار»، نظراً إلى طبعه الذي يرفض الخضوع للأمر الواقع. كذلك، تُرجَّح استقالة الخبير الاقتصادي، صاحب النظرة المعارضة لهذه الهيئة، إسماعيل لألماس، ما سيجعل مصير مبادرة الحوار، التي كان هدفها فكّ الانسداد السياسي في البلاد، معلّقاً.