ولاء عايشمع كل نهار ينتهي في مخيم برج البراجنة .. تنتهي معه معركة مع الجرذان..
ليستيقظ الأهالي على رؤيته ميتًا مرمياً في الزواريب ويتلعثم به الأطفال وهم في طريقهم إلى المدرسة..
كثيرة هي العائلات المتضررة من تواجد الجرذان في منزلها..
وكثيرة هي من عاشت حرباً قتالية مع أحد الجرذان.. فأنا لن أنسى .. يوم دخل أحد الجرذان خلسة إلى منزلنا .. فأصبت وإخوتي بهالة من الهلع وقفزنا إلى أعلى مكان بجوارنا..
وسارع والدي وأخي على الفور بملاحقته وحبسه داخل أحد الغرف وقضوا عليه..
جيراننا يعانون الأمر ذاته... حيث تلملم العائلة في الصباح بقايا آثاره.. وفي الليل تحبس أطفالها داخل الغرف كي لا يتعرضوا لمهاجمة من قبل جرذ يأخذ من أشرطة الكهرباء وأنابيب الماء المدلدلة فوق أسطح الدار مسكناً وملعباً له..
ناهيك عن عائلات أخرى عاشت الحدث ذاته.. فكم من طفل تعرض لعضة .. وكم من فتاة تراها لا تغادر المنزل بعد الساعة السابعة خوفاً من جرذ يعترض طريقها.. لا سيما وان أزقة المخيم غارقة في الظلام .. لا نور كهرباء يضي الدرب..

وكم من ومن ومن ومن ...
فقصص معاناة هذه الظاهرة كثيرة... لاتعد ولا تحصى ..
وعادة ما تشكو هذه العائلات وتطالب الأونروا بمقاومتها ..ووقف ما وصفوه باجتياح لا يقاوم بالوسائل البدائية..
إلا أنه لا حياة لمن تنادي..
فترى الأونروا تارة مجتهدة تهم بتنظيف المخيم ور ش المبيدات .. وتارة تتقاعس في تلبية مطالب اللاجئين وخدمتهم..
وما يزيد هذه الظاهرة .. هو بيئة المخيم الخصبة..
فلأن نظافته ومظهره يتصدر قائمة الأولويات بالنسبة للمواطنين والوكالة على حد سواء..
ترمى أكياس القمامة أمام كل منزل دون اتخاذ حاويات مغلقة لجمعها أو انتظام مواعيد رميها..
فتنشر الروائح وتجذب الحشرات والفئران والجرذان..
وما زاد الطين بلة ..
مشروع كان من المفترض أن يصلح البنى التحتية ويمد المخيم
بمياه الشفة .. إلا أن الغرض المنشود لم يتحقق بل على العكس تماماً .. أحدث شقوقاً وحفراً في الطرقات .. اتخذت منها الجرذان مأوى...
الجرذان هذه لم تضر المنظر العام فقط.. بل تشكل مصدر قلق يهابه الأهالي اثر نقل الجرذان داء «اليبوسبيروز»..
داءٌ... ينتقل للبشر عن طريق بول القوارض.. وحتى لوكان المكان جافاً، فإن آثاره تبقى.. وبمجرد ملامستها بشكل أو بآخر ينتقل الميكروب للإنسان مسبباً حمى مصحوبة باصفرار، كما تصاحبها آلام تشبه آلام التهاب «السحايا» ...
ناهيك عن أمراض أخرى تنتشر بين صفوف السكان بفعل تزايد ظاهرة الحشرات والقوارض..
و يفاقم من خطورة الوضع هذا السلوك الإنساني .. الذي ينقسم إلى حضاري وآخر متخلف..
حيث نجد أن عدداً كبيراً من الأشخاص في المخيم متورط بالسلوك الأخير .. ما يحوّل المنطقة تدريجياً إلى مكبّ للنفايات وملعباً للقوارض...
لكن لحظة.. ليس هذا فحسب.. فمن المعروف دائماً أن توم وجيري أعداء ..يلاحق توم جيري لتناوله طعاماً شهياً له فيما يهرب جيري منه حفاظاً على حياته ...
إلا أن هذا المشهد لا يمثل في مخيم برج البراجنة ..
حيث توم وجيري صديقان..
فأرض المخيم الخصبة لكلاهما فرضت معادلة التعايش السلمي بينهما ووقع الطرفان هدنة أبدية ..
فنادراً ما نرى قطاُ بلحق بالقوارض بل وعلى العكس أعدادهما تزداد بشكل ملحوظ.. ما يعني أن لا أحد منهما يتعرض للآخر ..
ظاهرة نادرا ًما نراها داخل الأحياء السكينة ..إلا أن الواقع الصحي الذي يعانيه المخيم قلب الموازين والمعادلات الطبيعية ...