وقع عصر أمس ما كان متوقعاً بتفجّر الاشتباكات في عدن، جنوب اليمن، بين «المجلس الانتقالي الجنوبي»، المموّل من دولة الإمارات والرافع خطاب انفصال الجنوب، وألوية الحماية الرئاسية التي يقودها مهران القباطي، والتي تتبع لما يسمى «الشرعية» (حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي). الاشتباكات وقعت بعد الانتهاء من تشييع قتلى معسكر «الجلاء»، وعلى رأسهم منير اليافعي (أبو اليمامة)، بعملية لقوات صنعاء.وكانت أوساط حكومية تابعة لحكومة هادي قد قالت أمس إن اختيار مقبرة القطيع في كريتر، القريبة من قصر معاشيق الرئاسي لدفن القتلى إنما يأتي في سياق مخطط مدروس يقضي بحشد الناس بالقرب من القصر، تمهيداً لاقتحامه في محاولة للانقلاب على «الشرعية» وفق أجندة خارجية معدّة مسبقاً.
جاءت اشتباكات معاشيق عشية وصول الدفعة الثانية من تعزيزات عسكرية سعودية إلى عدن مؤلفة من 20 قاطرة تحمل على متنها مدرعات وسيارات رباعية الدفع وتجهيزات ميكانيكية وفنية ولوجستية، وكانت الدفعة الأولى قد وصلت إلى عدن وباشرت في بناء قاعدتين، الأولى في منطقة العريش شرق عدن، والثانية قريبة من صلاح الدين غرب عدن، بموازاة الإعلان الإماراتي للانسحابات «التكتيكية والاستراتيجية».
وكان «المجلس الانتقالي الجنوبي» قد اتخذ من أحداث عدن الأخيرة ذريعة للتصعيد السياسي والإعلامي لفريق «الشرعية» وحزب «الإصلاح» الإخواني، ذلك برغم أن العمليتين اللتين حصلتا صباح الجمعة الماضي في معسكر «الجلاء» تبنت حركة «أنصار الله» إحداهما، وتبنى «داعش» عملية قسم الشرطة في منطقة الشيخ عثمان. «الانتقالي»، ومعه النخب المحسوبة على الإمارات، وظّفوا عمليتي عدن (معسكر «الجلاء» وقسم شرطة الشيخ عثمان) وشنوا حملة تحريضية واسعة على أكثر من اتجاه، ابتداءً بـ«الشرعية» و«الإصلاح» وانتهاء بالسعودية التي لم تسلم من الانتقادات واللوم بسبب دعمها لـ«الشرعية» ورفضها تبني دعوات الانفصال.
استغل «الانتقالي» أحداث عدن ضمن خطة مبرمجة مسبقاً تمهيداً للانقلاب


الوضع الحالي الراهن بين القوى المحسوبة على طرفي التحالف السعودي - الإماراتي (أي «الانتقالي» و«الشرعية»)، ينذر بالانزلاق إلى دورة عنف جديدة شبيهة بعشية اندلاع الاشتباكات التي دارت بين الطرفين في كانون الثاني من عام 2018 وأدت إلى سيطرة شبه تامة للقوات التابعة لـ«الانتقالي» على عدن، وكاد قصر معاشيق الرئاسي أن يسقط لولا تدخل لجنة مشتركة من السعوديين والإماراتيين أعادت الوضع إلى ما قبل اندلاع الاشتباكات.
ويوم الثلاثاء، عقد نائب رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي»، هاني بن بريك، مؤتمراً صحافياً قال فيه إن ما حصل في عدن الجمعة الماضي «كان مخططاً له من جانب الإصلاح منذ ثلاثة أشهر». غير أن الدفع باتجاه انفصال الجنوب أو التقسيم أو القول «إن اليمن لم يعد موحداً بعد اليوم» إنما صدر قبل العمليتين الأخيرتين صباح الجمعة الماضي من قبل مسؤوليين إماراتيين قريبين من دوائر الحكم في أبو ظبي (المستشار السابق لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، عبد الخالق عبد الله، وضاحي خلفان مسؤول شرطة دبي السابق، الذي كرر تغريداته التحريضية الداعية إلى انفصال الجنوب) بالإضافة إلى صحافيين وناشطين إماراتيين آخرين. وقد استغل «الانتقالي» أحداث عدن الأخيرة برفع النبرة الإعلامية وتشنيج الخطاب السياسي وتوتير الوضع الأمني ضمن خطة مبرمجة مسبقاً تمهيداً للانقلاب على هادي. وجاءت أحداث عدن لتعطي فرصة لـ«الانتقالي» للانقضاض على خصومه، وقد سُجّل في الأيام الماضية العديد من الأحداث والمواقف جاءت على النحو الآتي:
- زيادة ملحوظة وغير مسبوقة من قبل القيادات والنشطاء التابعين لـ«الانتقالي»، أو الذين يدورون في الفلك الإماراتي، في المطالبة بانفصال جنوب اليمن بالطرق السلمية والسياسية، وإن لم يكن فبالطرق العسكرية.
- في ما كأنه يشبه توجيهات عليا، تعمّد أعضاء «المجلس الانتقالي» وقوات «الحزام الأمني» تجاهل تبني «أنصار الله» استهداف جنود «الحزام الأمني» في معسكر «الجلاء»، رغم تبني صنعاء الصريح للعملية، وتوجيه الاتهامات إلى «الإصلاح» (الإخوان المسلمون). أو على الأقل الإصرار على الربط بين «الإصلاح» وعملية الاستهداف في معسكر «الجلاء» وتفجير قسم الشرطة في الشيخ عثمان.
- إيجاد دافع قوي لأبناء عدن، وخاصة قوات «الحزام الأمني»، للقيام بحملات تهجير باسم الثأر لـ«أبو اليمامة» من العمال البسطاء من أبناء المحافظات الشمالية ليتطور الأمر إلى طرد كل شمالي في عدن وإعلان الانفصال بعد خلق فجوة كبيرة من الكراهية بين أبناء الشمال والجنوب.
- رفض التعامل مع لجنة التحقيق التي شكلتها حكومة هادي في عمليتي عدن يوم الجمعة والاقتصار على لجنة تابعة لـ«الانتقالي». وقد نشر هاني بن بريك ظهر الثلاثاء نتائجها التي تتوافق مع سردية «الانتقالي» في الربط بين عمليتي الجمعة و«الإصلاح».
-استغلال عملية «داعش» التي استهدفت قسم شرطة الشيخ عثمان في عدن، واعتبار أن «داعش» هي الجناح المسلح لحزب «الإصلاح».
- استغل طرفا النزاع سيطرة «القاعدة» على مديرية المحفد في محافظة أبين وتسهيل هذه السيطرة ثم الانسحاب منها خلال ساعات في مسرحية مكشوفة، فيما اتهم «الانتقالي» حكومة هادي بأنها وراء انقضاض تنظيم «القاعدة» على قاعدة «الحزام الأمني» في المحفد التي سقط فيها 19 قتيلاً.
- تقديم أكثر من 200 عضو في حزب «المؤتمر العام» في مودية في محافظة أبين، بمن فيهم رئيس الحزب، استقالتهم والانضمام إلى «المجلس الانتقالي» احتجاجاً على أحداث عدن.