قبل يومين، عاد المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، بيار كرننبول، إلى العاصمة الأردنية عمّان، كأن شيئاً لم يكن، على الرغم من الفضائح التي طالته والتحقيقات التي تتولاها لجنة تحقيق أممية في نيويورك تتهمه بالفساد.غير أن فضائح كرننبول ومساعدته السابقة الأميركية ساندرا ميتشيل (استقالت قبل نحو أسبوعين)، باتت تشكّل ذريعةً عمليّة للإصرار الأميركي على ضرب الوكالة، كواحدة من أبرز مندرجات صفقة القرن وإنهاء قضيّة اللاجئين الفلسطينيين، عبر التخلّص من الوكالة الدولية كشاهد أممي على تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وإعلان الوكالة مؤسسة فاسدة غير قابلة للإصلاح.
وليس خافياً أن الدول الأوروبية ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، على ما يقول أكثر من مصدر غربي لـ«الأخبار»، «تستشعر هذا المشروع الأميركي منذ سنوات، وازدادت اقتناعاً بتصميم إدارة الرئيس دونالد ترامب على إنهاء الوكالة بعد التوقّف عن دعمها ماليّاً»، وأن «هذه الدول تعتبر مشروع ترامب خطراً مباشراً عليها بسبب موجات الهجرة المتوقّعة للفلسطينيين إلى أوروبا الغربية، واحتمالات الفوضى في تجمّعات الفلسطينيين، لا سيّما في مخيمات لبنان، بسبب هذا التوجّه».
إلّا أن هذه الدول، وبدل المسارعة إلى معالجة الخلل عبر الضغط على كرننبول وسائر المتورطين لدفعهم إلى تقديم استقالاتهم كما حصل مع مساعدته، وتعيين مسؤولين جدد يشكّلون ضمانة لاستمرار عمل المنظّمة، أقدم عددٌ من هذه الدول، لا سيّما هولندا وبلجيكا وسويسرا التي يحمل المفوض العام جنسيتها، على اتخاذ قرارات بتجميد الدعم المالي للوكالة.
وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن ضغوطاً كبيرة تمارسها الخارجية الأميركية والجسم الدبلوماسي للعدو الإسرائيلي في أوروبا، على عدد من الدول من كبار الداعمين للوكالة لتجميد دعمهم المالي، لا سيّما على ألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي. وفيما تردّد في اليومين الماضيين أن بريطانيا من أبرز المرشحين للخضوع لهذه الضغوط وإعلان وقفها دعم الأونروا (تقدم بريطانيا 93 مليون دولار سنوياً)، أكّد رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني الوزير السابق حسن منيمنة لـ«الأخبار» أن «تأكيدات بريطانية وصلت إلى لبنان بعدم نيّة الحكومة البريطانية قطع هذا التمويل». وأضاف منيمنة أن «عدداً من الدول بدأ باستيعاب الصدمة ورفض الضغوط الاميركية والسعي لإيجاد حلول سريعة للأزمة، بما يضمن استمرار عمل المنظمة».
كرننبول يرفض تقديم استقالته، ما يبقي الأونروا تحت التهديد، بما يخدم الأجندة الأميركية


وفيما كان من المفترض أن يقدّم كرننبول استقالته في الأسبوعين الماضيين بسبب الفضائح التي طالته، والتي تتعلّق أوّلاً بإساءة استخدام أموال المنظمة المخصّصة للشعب الفلسطيني في رحلات استجمام مع مستشارته الخاصة ماريا محمدي، وثانياً في محاولة ترقية محمدي إلى مناصب رفيعة المستوى من دون اتباع الإجراءات المعتمدة في العام 2015، علمت «الأخبار» أن كرننبول يرفض تقديم استقالته ويتمسّك ببقائه موظّفاً حتى انتهاء فترة ولايته في الربيع المقبل، ما يبقي الأونروا تحت التهديد والمساءلة، وبما يخدم الأجندة الأميركية.
لكنّ ما لم يظهر إلى العلن، هو سعي كرننبول إلى ترقية محمدي مرة جديدة في العام 2019، إلى منصب رفيع، على الرغم من الأزمة المالية التي تعاني منها الوكالة. وقد اطلعت «الأخبار» على وثيقة تثبت قيام كرننبول وميتشيل باختراع منصب لمحمدي برتبة مديرة.
وكان سبق للمفوض العام وميتشيل أن قاما بعدّة ترقيات غير قانونية لموظفين كبار، واستولوا على مراكز حساسة في المنظمة، ودفعوا علاوات خيالية وغير مبررة لهؤلاء الأشخاص، بهدف لا يصبّ إلا في مصلحة شيطنة الوكالة وتحويلها إلى بؤرة للفساد على طريق تصفيتها.
ولم يكتفِ كرننبول ومساعدته الأميركية بذلك، بل قاما بتهديد وإقصاء كل من تجرّأ على معارضة سياسات الفساد بالوكالة، لا سيّما الموظفة اللبنانية الأرفع، التي جرى إيقافها مؤخّراً عن العمل بعد رفضها عرضاً مالياً لالتزام الصمت حيال ممارسات المفوض العام ونائبته.
وعلمت «الأخبار» أيضاً، أن كريننبول، الذي لا يزال يصرّ على ممارسة السياسات ذاتها، قد خدع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتيرش نفسه، حين ادّعى أنه فصل رئيس شؤون الموظفين حكم شهوان من الوكالة، كإجراء تأديبي اتخذته الوكالة لدى علمها بعملية تسريب معلومات حساسة، فيما تؤكّد المعلومات أن المفوض العام عرض على شهوان أن لا يداوم مقابل دفع راتبه الشهري ومستحقاته كاملة، إلى حين انتهاء عقده، مقابل صمته وابتعاده عن التحقيقات. وقد وافق على هذا العرض، ما سيعني حصوله على رواتبه ومخصصاته كاملةً حتى عام 2020.
كل هذا، فيما كانت ميتشيل قد اتخذت عدة إجراءات تعسفيّة بحق عدة موظفين فلسطينيين «كادحين» بذريعة الأزمة المالية، وعملت على تقليص حقوق الموظفين المحليين (اللاجئين الفلسطينيين)، بينما أباحت للموظفين الدوليين الاستفادة من الحصول على رواتبهم من دون دوام، وخلال قضائهم إجازات طويلة في دولهم.