عمان | قبل شهر بالتمام على إعلان اسم قائد الجيش الأردني الجديد، اللواء الركن الطيار يوسف أحمد الحنيطي (القائد السابق لسلاح الجو)، ظهر الرجل إلى جانب الملحق العسكري لسلاح الجو في السفارة الأميركية لدى عمّان، اللفتنانت كولونيل آيمي ميتشل، في فيديو ترويجي على حساب السفارة على مواقع التواصل الاجتماعي. حاول الرجل إظهار عمق العلاقة بين سلاح الجو في كلّ من البلدين بقوله: «لقد طرنا معاً وقاتلنا معاً فوق سوريا والعراق»، في إشارة إلى دور المملكة في «التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب»، الذي خسرت في إحدى مهماته الطيار معاذ الكساسبة بعد سقوط طائرته في الرقة.ويأتي تغيير قيادة الجيش ضمن التغييرات الملكية الأخيرة التي طاولت أهم الشخصيات المحيطة بعبد الله الثاني وتعمل على مقربة منه، مثل وزير بلاطه ومدير مكتبه ومستشاريه ورئيس المخابرات، وأخيراً قائد الجيش الأسبق، الفريق الركن محمود فريحات، الذي أحيل على التقاعد من دون ترقيته. وهذا التغيير يأتي من الملك مباشرة بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، لكنه بحدّ ذاته ليس مستغرباً، ففريحات شغل منصبه منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2016، في مرحلة رافقت عودة السيطرة لقوات الجيش السوري على معظم أراضيه، وحسم معركة الجنوب السوري العام الماضي. وآنذاك، كان التنسيق مباشراً بين الجيشين بقرار واضح من عمّان بإغلاق الحدود وتفكيك «غرفة الموك» والتشكيلات التي تعمل تحت إمرتها.
وإن كان التغيير عادياً، باستثناء تسمية طيار مقاتل لهذه المهمة، فإن التوتر الضمني في المملكة يلقي بظلاله على أي تحرك أو ظهور لعبد الله الذي غيّر قيادة الجيش بعد عودته من إجازته الخاصة في الولايات المتحدة. وكعادة أي تغيير في منصب حساس، يجري تحليل الموقف عبر شائعات أو توقعات أو تسريبات ربما تكون مقصودة، مثل ربط التغيير بتعيين محتمل لفريحات مستشاراً عسكرياً للملك أو تسميته وزيراً للدفاع، علماً بأن حقيبة الدفاع يحملها رئيس الوزراء، عمر الرزاز. وللمفارقة، زار الأخير فريحات قبل يوم من إحالته على التقاعد. على المقلب الآخر، كان الجنرال الحنيطي يتلقى التهاني والزيارات من سفيري الكويت والإمارات، والملحق العسكري القطري وقائد القوات الجوية المركزية الأميركية، عدا توجهه لتفقد المنطقة الشمالية بعد أيام من إحباط الجيش محاولة 18 شخصاً التسلل عبر ساتر ترابي، حيث لاحقهم عقب فرارهم إلى العمق السوري ليتبين وجود مواد مخدرة في المنطقة، وهذا أمر يتكرر على نحو شبه أسبوعي.
أثار تأخر المناورة أسئلة تتعلق بالعلاقات مع واشنطن، رغم استمرار الدعم العسكري والمالي


في سياق متصل، يخضع أفراد الجيش الأردني لتدريبات مستمرة، وخصوصاً مع الجانب الأميركي الذي يستخدم مصطلحات متعلقة بالدفاع والردع والحماية من «داعش». وفي الشهر الماضي وحده، انطلق «برنامج تدريب العمليات المشتركة» (JOEP)، وهو برنامج تدريب فردي ومشترك لوحدات حماية الحدود في المنطقة الشمالية، مدته 14 أسبوعاً. كذلك، أنهت وحدات الرد السريع في الجيش تدريباً عسكرياً على إطلاق النار الحي من مدفعية «الهاوتزر» التي تسلمتها من الأميركيين، إلى جانب 24 مدرعة «هامفي». وتوفر معدات «الهاوتزر» نظاماً يمكن توظيفه بسرعة للدفاع، وخصوصاً أن مداه يصل إلى غاية 19.500 متر، أي أنه مناسب لأي مواجهة برية من مدى قريب نسبياً.
هذه التدريبات وغيرها تشكل نقطة صغيرة في بحر مناورات «الأسد المتأهب» التي تشرف عليها القيادة الأميركية الوسطى، للتأكد من «القدرة على العمل في مختلف الظروف الحرجة والخطيرة»، كما يصرح القادة العسكريون الأميركيون. عام وأربعة أشهر انقضت على المناورات الأخيرة من «الأسد المتأهب» التي تستضيفها المملكة دورياً منذ 2011، وتُعقد عادة في أيار/ مايو، وهي الأضخم التي يعقدها الجيش الأميركي مع القوات الأردنية، إذ تأتي بمشاركة آلاف الجنود من أكثر من 20 دولة إلى جانب قوات من «الناتو».
التأخر أثار أسئلة تتعلق بالعلاقات مع واشنطن، التي تراوح مكانها مع تعقيدات خطة دونالد ترامب ــــ جارد كوشنر في الشرق الأوسط، مع أن الدعم العسكري والمالي واللوجستي للمملكة يستمر في ظل تصنيفها كأحد أهم الحلفاء في الإقليم. في البداية، كان يمكن تفسير هذا التأخير بسبب حلول رمضان، لكن الوضع أعقد من ذلك، وخصوصاً مع سعي الدبلوماسية الأردنية إلى حل مشكلة مخيم الركبان التي توصف بـ«بوابة الشر الشمالي» وخاصة أنها قريبة من قاعدة التنف، في الوقت الذي أعلنت فيه الإدارة الأميركية عزمها على سحب قواتها من سوريا، ما رفع احتمال دخول قوات جديدة إلى القواعد الأردنية التي تستضيف قوات أميركية، وخاصة في قاعدة «موفق السلطي» الجوية (قاعدة الأزرق)، القريبة من الحدود مع سوريا والعراق، وهي أحد المواقع الرئيسة التي تنطلق منها عمليات «التحالف الدولي» ضد «داعش»، وسبق أن وافق الكونغرس على تخصيص 143 مليون دولار لرفع مستواها أخيراً.
إذاً، لربما ارتبط تأخير التدريب بانشغالات الجيش الأردني في ترتيبات مسبقة أو انشغال التشكيلات الأميركية في الإقليم بأي مستجد متصل بالتهديدات المتبادلة بين واشنطن وطهران. ومهما كان السبب، أعلن الأردن انطلاق المناورات لهذا العام في الخامس والعشرين من الشهر الجاري. وتكمن أهمية «الأسد المتأهب» في مواضيع التدريب الحساسة التي تحاكي أرض الواقع «لمواجهة التهديدات التقليدية وغير التقليدية»، ومن هنا يمكن فهم إدراج الحكومة الأردنية مثلاً قانون الأمن السيبراني على جدول أعمال الدورة الاستثنائية لمجلس النواب قبل أيام، والإصرار على اسم القانون «السيبراني» من دون تعريبه أو دمجه بقانون الجرائم الإلكترونية.
وعادة ما تُفصل السياسة عن عمل المؤسسة العسكرية التي تحتفظ بهيبتها الداخلية وهي محل ثقة لدى الأردنيين، لكن التطورات السريعة في الإقليم، والدور التدريبي الذي مارسه الجيش سابقاً، يثير أسئلة داخلية عن جدوى هذه التدريبات الكثيفة وضخامة الدعم العسكري الأميركي للجيش، وأيضاً هل معسكرات التدريب التي دربت «المعارضة السورية المعتدلة» متاحة مقابل دعم الاقتصاد الأردني المتعثر؟ والسؤال الأكبر: هل سيتحمل الأردنيون كلفة المشاركة في عمل عسكري أميركي مشترك وطويل المدى ومكلف بشرياً، ولا سيما أن عمّان لم تتورط أكثر مما يجب في الإقليم وعلى الأخص في اليمن، معضلة حلفاء المملكة الهاشمية؟