القاهرة | من ممثل غير مشهور إلى «أجرأ شاب في مصر». هكذا تحول محمد علي (45 عاماً) ليكون حديث مواقع التواصل الاجتماعي. رجل الأعمال، الذي احترف التمثيل كهاوٍ وأنتج فيلماً من بطولته (اسمه «البر الثاني» وتناول مشكلة الهجرة غير الشرعية)، هو نفسه الذي خرج متمرداً على الجيش والمخابرات بعد أكثر من 15 عاماً قضاها عبر شركته مقاولاً منفذاً للمشروعات التي يتوكل بها الجيش. يقول علي إنه خسر أكثر من 220 مليون جنيه مصري بسبب الجيش وتدخلاته، كاشفاً عن كواليس لقضايا، وإن كانت معلومة لدى كثيرين، لكنها لم تجد من يدعمها بأسانيد حقيقية، ولا سيما في ما يتعلق بالصراع بين أجنحة الجيش في تنفيذ المشروعات المختلفة، وتسريع معدلات التنفيذ استجابة لرغبات الرئيس عبد الفتاح السيسي في افتتاح المشروعات خلال «زمن قياسي».وقائع فساد ذكرها علي بالأرقام، منها 60 مليون جنيه كلفة تطوير استراحة السيسي الشخصية بعد تولّي الأخير منصب وزير الدفاع، إبّان حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، مروراً ببناء استراحة خاصة في المعمورة بكلفة 225 مليوناً ليقضي فيها الرئيس إجازة عيد الأضحى الماضي، حيث عقد اجتماعات في الاستراحة الرئاسية الجديدة. كما طلبت السيدة الأولى، انتصار السيسي، تعديلات في الاستراحة كلّفت 25 مليوناً، فضلاً عن هدم الاستراحة بالأساس وإعادة بنائها مرة أخرى لتكون جديدة وليست نفسها التي أقام فيها الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك وزوجته، علماً بأن المعمورة هي الوجهة المفضّلة للسيسي ليقضي فيها إجازته.
أما في عمليات الإسناد المباشر إلى الشركات، فثمة تفاصيل كثيرة تُكشف علناً للمرة الأولى، بداية من حصول المقاولين على الاعتمادات المالية من البنوك بموجب موافقات الجيش على إسناد المشروعات إليهم، وصولاً إلى الشروع في التنفيذ من دون دراسة وافية، وهو ما عبّر عنه اتخاذ مدير فندق تابع للمخابرات قراراً ببناء فندق جديد بكلفة تصل إلى أكثر من ملياري جنيه، وبدء تنفيذ الحفر في اليوم التالي مباشرة لإقناع الرئيس بسرعة التنفيذ، علماً بأنه تقرر بناء الفندق في ضاحية التجمع الخامس التي تعاني فنادقها من انخفاض نسبة الإشغال فيها، فضلاً عن مساوئ اختيار موقع يطلّ على طريق سريع. يقول الممثل المصري الهارب حديثاً، وفق فيديو نشره على صفحته في «فايسبوك»، إن قرار بناء الفندق جاء بسبب الصداقة التي تجمع السيسي شخصياً ومدير الفندق الذي كان يعمل معه إبان عمل الرئيس في المخابرات، إلى درجة أن مدير الفندق الذي قرر إنشاء فرع آخر اختار الموقع الجديد أمام فيلّته.
هكذا، يجري اتخاذ قرارات تنفيذ المشروعات من قِبَل المخابرات، بينما تقوم على التنفيذ «الهيئة الهندسية» التابعة للقوات المسلحة، وهي بدورها تسند العمل إلى مقاول يباشر التنفيذ الفعلي، وبذلك يكون التعامل مع جهات عديدة تعمل ويتأخر حصولها على الأموال وسط صراعات في الجيش، مرتبطة بعمليات الإسناد المباشر التي توسعت الدولة فيها خلال عهد السيسي، مع أنه لم يجرِ التطرق إلى قضية مهمة، وهي تجاهل تعويض المقاولين عن خسائر «التعويم» عندما جرى تخفيض قيمة الجنيه بنسبة 100% قبل نحو ثلاث سنوات.
على رغم المخالفات الكثيرة التي تحدث عنها، فإن كلامه الأول عن الأزمة لا يكشف الكثير من الأسرار، لأن الرجل، الذي نفذت شركته قصوراً ومباني واستراحات للرئيس، لم يتحدث سوى عن واقعتين فقط، مهدّداً بفضح المزيد ما لم يتلقّ أمواله، مع الأخذ بالاعتبار أنه باع جميع ممتلكاته في مصر وسافر إلى إسبانيا برفقة أبنائه وزوجته. والجدير ذكره، هنا، أنه سبق أن محمد علي مهّد لسفره بنشره خبراً قبل ثلاثة أشهر يفيد بأنه ينوي تنفيذ مشروع مشترك مع الحكومة الإسبانية «لإثبات أن العقول العربية قادرة على صنع المعجزات»، وهو «بروتوكول تعاون مع كبرى شركات التصميم العقاري في برشلونة لتنفيذ أحد المشروعات البنائية العملاقة في إقليم كتالونيا»، على أنه يستعد أيضاً «لتصوير فيلم عالمي بإنتاج مشترك مصري إسباني».
وسبق لعلي أن دخل مجال التمثيل بأمواله مباشرة، بعدما شارك في أدوار في عدد من المسلسلات والأفلام بصورة محدودة، قبل أن ينتج فيلمه «البر الثاني» على نفقته، بعد تجارب محدودة، مستعيناً بشركة «ماد سليوشن» التي يديرها السوري علاء كركوتي، من أجل تقديمه إلى الوسط الإعلامي كنجم سينمائي، ولإدخال الفيلم للمشاركة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، لكنه لم يحظَ بقبول جماهيري ونقدي. ويبدو أنه لن يعود إلى مصر مرة أخرى، على الأقل تحت حكم السيسي، لكن حديثه هو الأخطر منذ وصول «الجنرال» إلى الحكم، خاصة أنه يملك الكثير من التفاصيل التي لا تزال في جعبته. فهل يفاوضه النظام ويعيد إليه أمواله لكي يتوقف عن تسريب المزيد من المعلومات، أم سيظلّ مطارَداً حتى إشعار آخر؟