لم يمضِ عامٌ بعد على إطلاق الإدارة الأميركية دعوتها إلى «إنهاء حرب اليمن». دعوةٌ دُفعت، حينئذٍ، بحرجٍ شديد سبّبه اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وما رافق الجريمة من ضغوط داخلية وخارجية، سلّطت الضوء على السقطات السعودية، ولا سيما في اليمن. إزاء ذلك، لم يعد ثمة طائل من مواصلة واشنطن دعم حرب عبثية لا يبدو أنها ستعود عليها، أو على مشعليها، بأي نفع. وفي ظلّ عدم قدرة «التحالف» السعودي ــــ الإماراتي على إحراز «نصر» يحفظ به ماء وجهه بعد مرور أكثر من أربع سنوات على العدوان، إضافة إلى انفلات الوضع في جنوب اليمن، أعلنت الولايات المتحدة أنها تجري محادثات مع حركة «أنصار الله». إعلانٌ بدت القوى الوطنية في صنعاء متشكّكة إزاء دوافعه، مؤكدةً أن أي حوار مع واشنطن سيكون بصفتها شريكاً في الحرب.من هنا، تُفاوض واشنطن «أنصار الله» بالنيابة عن حليفتها الرياض لإنهاء الحرب في اليمن. وهي تسعى، كما تقول، إلى إيجاد حلٍّ «مقبول من الطرفين». وللإشارة إلى أن المحادثات تجرى بالتنسيق بين الأميركيين والسعوديين، جاء الإعلان عنها من قاعدة عسكرية في مدينة الخرج جنوب الرياض، على لسان مساعد وزير الخارجية الأميركي للشرق الأدنى، ديفيد شينكر. وهي المرة الأولى التي يعلن فيها مسؤول في إدارة دونالد ترامب عن محادثات مع الحركة، من دون أن يحدّد مكان انعقادها وما إذا كانت مباشرة أو لا. ولكنه أوضح، في تصريح إلى الصحافيين، أن «تركيزنا منصبّ على إنهاء الحرب في اليمن... ونحن نجري محادثات مع الحوثيين (أنصار الله) لمحاولة إيجاد حلّ للنزاع متفاوَض عليه، يكون مقبولاً من الطرفين». وأضاف: «نحن نعمل مع (المبعوث الدولي) مارتن غريفيث، ونقيم اتصالات مع شركائنا السعوديين». وتمهيداً لهذا الإعلان، كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال»، الأسبوع الماضي، أن الإدارة الأميركية تستعدّ لإطلاق محادثات مباشرة مع «أنصار الله» لإنهاء الحرب، وفق أشخاص مطّلعين على الخطط، أشاروا إلى أن الولايات المتحدة تتطلّع إلى حثّ السعودية على المشاركة في محادثات سرية في عُمان مع الحركة، في محاولة للتوسط لوقف إطلاق النار. وبحسب الصحيفة، فإن هذه الخطوة قد تفتح أول قناة مهمة بين إدارة ترامب و«أنصار الله». وأكد أشخاص مطّلعون على الخطط للصحيفة، أن الدبلوماسي المخضرم، كريستوفر هنزل، الذي أصبح في نيسان/ أبريل الماضي السفير الأول لإدارة ترامب لدى اليمن، هو من سيقود المحادثات الأميركية.
بدت القوى الوطنية في صنعاء متشكّكة إزاء الإعلان الأميركي


وبدت القوى الوطنية في صنعاء متشكّكة إزاء الإعلان الأميركي، إذ أشار عضو وفد صنعاء، عبد الملك العجري، إلى أن الولايات المتحدة تعدّ شريكاً رئيساً في العدوان على اليمن، «وتتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية عن كل تداعيات العدوان والجرائم التي يرتكبها الطيران»، و«على فرض حصول أي حوار معها» فسيكون باعتبارها «جزءاً من الحرب، وتملك الكثير من مفاتيح إيقافها». وقال: «(إننا) ننظر إلى الدعوات الأميركية بنوع من الريبة، ونشك في جدّيتها ودوافعها، سواء (كانت) انتخابية، أو للتخلص من ضغوط الرأي العام أو لإبراء الساحة الأميركية»، مضيفاً إن «أميركا ترى في استمرار العدوان على اليمن مصدراً من مصادر التمويل لخزينتها من خلال استمرار صفقات السلاح وغيرها». من جهته، لم يؤكّد عضو المكتب السياسي في الحركة، حميد عاصم، إجراء محادثات مع إدارة ترامب، لكنه لم ينف الأمر، إذ قال في تصريح إلى وكالة «فرانس برس»: «لا نؤكد ولا ننفي، لكننا نقول إن صدورنا مفتوحة للجميع، ما عدا الكيان الصهيوني»، مضيفاً «أنْ تقول الولايات المتحدة إنها في حوار معنا، فنحن نعتبره نصراً عظيماً، وهو دليل على أننا على حق».
وهذه ليست المحادثات الأولى بين واشنطن و«أنصار الله»، إذ سبق أن سعى الرئيس السابق، باراك أوباما، إلى إيجاد تسوية سياسية في اليمن قبل مغادرته منصبه في 20 كانون الثاني/ يناير 2017. وأوفد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وزير خارجيته جون كيري، إلى مسقط لإجراء مفاوضات مع الحركة، انتهت إلى الإعلان عن اتفاق لتطبيق خريطة الطريق التي وضعتها الأمم المتحدة، لكنها اصطدمت بعرقلة سعودية، بعدما رفضت الرياض خطة كيري التي رأتها منحازة لمصلحة «أنصار الله»، واضعة في حساباتها أن الإدارة المنتهية ولايتها كانت تسعى إلى تحقيق إنجاز في الملف اليمني قبل مغادرتها، ومعوّلةً على دعم الإدارة الجديدة في هذا السياق.