«لسنا بحاجة إلى نفطكم، لكننا سنساعدكم». بهذا، يكون دونالد ترامب قد اختصر موقف بلاده، بينما تحترق حليفته بنفطها، في أبلغ دلالة على أن أميركا تقف موقف المتفرج إزاء «المُصاب» الذي ألمّ بالمملكة. وذهب الرئيس الأميركي في ابتزازه حدّ دعوة الرياض إلى فتح احتياطياتها لتعويض النقص، بعدما توقف نصف إنتاجها جراء هجمات السبت. فهو قال، بصراحة، إن بلاده «ستُخرج الاحتياطي الاستراتيجي» متى استدعت الحاجة، لأن هناك «الكثير من النفط» المُخزّن في المملكة وفي غيرها من الدول. حدث ذلك بينما كانت السعودية تحاول لملمة خسائرها، ومنها أنها لم تعد جاهزة لطرح «أرامكو» للاكتتاب العام.لم تستوعب الأسواق العالمية الصدمة. فجر يوم أمس، فتحت على ارتفاع في أسعار النفط ناهز 20%، إذ سجّل سعر خام «برنت» قرابة 72 دولاراً، قبل أن يغلق على 69 دولاراً، أي بارتفاع بلغ 14.51%. من الناحية العملية، فإن هجمات السبت على معمل بقيق وحقل خريص في الشرق السعودي وضعت النفط على «الطريق الصحيح»، بعدما حقق واحداً من أعلى مكاسبه في يوم واحد. ولكن خشية التجار تنصبّ راهناً على الوقت الذي ستستغرقه المملكة في إصلاح الأضرار التي تسبّبت في وقف نصف إنتاجها من الخام، بينما لا يزال غير واضح متى ستعود إلى دورة إنتاجها القصوى. ذلك قد يستغرق وقتاً أطول مما ذُكر سابقاً (أي أسابيع). التقدير الأخير، وفق مصادر «بلومبرغ»، يشير إلى أن السعودية تحتاج إلى أشهر للعودة إلى الإنتاج بطاقته الكاملة، ما يحبط الجهود الرامية إلى تهدئة الأسواق. وإذا صدقت التقديرات، فستكون الأسواق العالمية أمام تقلبات، قد تؤدي إلى زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي.
تدرس السعودية إمكان تأخير طرح قسم من شركة «أرامكو» للاكتتاب العام


وفي وقت تراقب فيه الأسواق مدى قدرة المملكة على إعادة هذا القطاع إلى مساره الطبيعي، بعدما تسبّبت الهجمات بانخفاض حادّ في إمدادات النفط العالمية، أفاد الرئيس التنفيذي لمجموعة «أرامكو»، أمين ناصر، بأن العمل جارٍ لاستئناف الإنتاج بطاقته الكاملة، بينما أشار وزير الطاقة السعودي، عبد العزيز بن سلمان، إلى أن بلاده ستلجأ إلى احتياطياتها (188 مليون برميل) المخصّصة لأوقات الأزمات لتعويض الخسائر. لكن الاستعانة باحتياطيات المملكة الهائلة لامتصاص الصدمة يمكن أن يكون حلاً ناجعاً على الأمد القصير، أي إذا كانت فترة التوقف تقتصر على أسابيع قليلة (37 يوماً)، إذ سيتعيّن على «أرامكو»، بعد ذلك، خفض الصادرات، خصوصاً إذا استمر التوقف في الإنتاج لفترة طويلة. تزامن الإعلان الآنف مع «إجازة» ترامب استخدام نفط الاحتياطي الأميركي الاستراتيجي «عند الحاجة»، على رغم أن الاحتياطيات الأميركية الموجودة في مستودعات تكساس ولويزيانا تبلغ 645 مليون برميل، أي الكمية التي تستهلكها الولايات المتحدة في شهر واحد تقريباً. ولدى الأخيرة 416.1 مليون برميل من الاحتياطي التجاري، بحسب أحدث بيانات إدارة معلومات الطاقة. وقال الرئيس الأميركي: «لا نحتاج إلى نفط أو غاز الشرق الأوسط، لدينا في الحقيقة عدد قليل جداً من الناقلات هناك، لكننا سنساعد حلفاءنا».
وسعت وكالة الطاقة الدولية إلى تطمين الأسواق عبر قولها إنها «مموّنة بشكل جيد مع العديد من الاحتياطيات التجارية». في الإطار ذاته، حرص مسؤولون في كبرى الدول المصدرة للطاقة على تأكيد قدرة الأسواق العالمية على التعامل مع نقص الإمدادات من السعودية، إذ أفاد وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي، بأن بلاده قادرة على زيادة الإنتاج لمواجهة أي تعطّل للإمدادات، ولكن من السابق لأوانه عقد اجتماع طارئ لمنظمة «أوبك»، بينما أكد نظيره الروسي، ألكسندر نوفاك، أن هناك مخزونات نفط تجارية كافية لتعويض النقص. وبحسب مصدر في «أوبك» تحدّث إلى «رويترز»، فإن الأمين العام للمنظمة، محمد باركيندو، بحث تطورات سوق النفط مع رئيس وكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، وأبديا رضاهما في شأن «احتواء السلطات السعودية للوضع».
وفي حين لا تزال المملكة متحفظة إزاء الإعلان عن الأضرار الحقيقية التي طالت عملاق النفط، قالت «مصادر مطلعة» إن السلطات السعودية تدرس إمكان تأخير طرح قسم من شركة «أرامكو» للاكتتاب العام، والذي كان مخططاً في تشرين الثاني/ نوفمبر في سوق الأوراق المالية المحلية، قبل إدراجها دولياً العام المقبل. وبحسب مصادر «وول ستريت جورنال»، فإنَّ «من المتوقع أن تواصل الشركة تقديم عروضها التوضيحية للمحللين وعقد الاجتماعات مع المصرفيين كما كان مقرراً. غير أن مسؤولي الطاقة السعوديين والمديرين التنفيذيين لأرامكو يبحثون تعديل مواعيد الطرح الأولي إلى أن تستعيد الشركة مستويات إنتاجها الطبيعية».