بعد الهجمات الأخيرة التي طاولت المنشآت النفطية السعودية، مارس الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الدور الذي يضطلع به دائماً، أي «التحمية» للقيام بعمل عسكري ما، قبل أن يتراجع ويعود إلى نغمة المطالبة بـ«دفع المال». وعلى رغم أن السعودية بذلت جهداً لا بأس به لاستدرار عطفه، إلا أن النتيجة أظهرت فشلها، إلى الآن على الأقل، في جرّه إلى القيام بعمل عسكري لمصلحتها. وهو فشلٌ مردّه الرئيس عدم رغبة ترامب في الحرب، ليبقى ذلك الثابت الوحيد في سياسته الخارجية، إلى جانب دأبه على محاولة التفوّق على الرئيس السابق باراك أوباما، عبر الخروج من الاتفاق النووي، بهدف التوصل إلى «اتفاق أفضل».بحسب موقع «ديلي بيست» الأميركي، سعى السعوديون إلى تشبيه الهجمات التي تعرّضوا لها بأحداث 11 أيلول 2001، بهدف جرّ ترامب إلى الدفاع عنهم بوجه ما زعموا أنها «هجمات إيرانية» على البنى التحتية النفطية في المملكة. لكن الموقع أشار إلى أن هذه المقاربة التي نقلها المبعوث الأميركي الخاص لإيران، برايان هوك، عن السعوديين، لم تكن كافية لجذب انتباه ترامب، الذي بدا غير مبالٍ بها، على حدّ تعبير أحد المطلعين على الأمر. مع ذلك، بدت الإدارة الأميركية في حالة من التخبّط في تعاطيها مع تطوّرات المنطقة. حالةٌ، الثابت الوحيد فيها، ربما، ردّ فعل وزير الخارجية، مايك بومبيو، الذي جاء مشابهاً لردود فعله على هجمات مماثلة سابقة، أي إلقائه اللوم على إيران بالكامل. «لا يوجد دليل على أن الهجمات جاءت من اليمن»، قال بومبيو، من دون أن يقدم أي دليل على أن إيران هي التي نفذت الهجمات. إعلان وزير الخارجية المتسرّع والاستباقي أثار مخاوف لدى عدد كبير من المحللين، ومنهم بول بيلار الذي أعاد إلى الأذهان تصريحات مماثلة صادرة عن سياسيين أميركيين، رداً على نشاط عسكري ما، لتصبح بمثابة مقدمة لحروب أميركية.
«واشنطن بوست»: ترامب عالق بين ضرورة مواجهة إيران وتفضيله التوصل إلى اتفاق


ذكّر بيلار، في مقال في مجلة «ذي ناشيونال إنترست»، بعهد ليندون جونسون، حين شكّل الإعلان السريع عن أن شمال فيتنام هاجم السفن الحربية الأميركية في المياه المفتوحة لخليج تونكين في آب/ أغسطس 1964، محطة مفصلية في الحرب على فيتنام. وذكّر بيلار بنموذج آخر أقرب زمنياً، عندما جاء تصريح ريتشارد تشيني، نائب الرئيس جورج بوش الابن، بأن «ليس هناك من شكّ في أن صدام حسين يملك الآن أسلحة دمار شامل»، ليشكل الخطوة الأولى في حملة تهدف إلى تسويق الحرب ضد العراق. بناءً عليه، وبالنظر إلى ممارسات الإدارة الحالية، وجد بيلار أن «ليس هناك شك في أن شيئاً شبيهاً يحدث في داخل السلطة التنفيذية». يلفت بيلار إلى أن الإدارة الأميركية تجد أن من الأجدى الاعتماد على نيات إيران في اتهامها بأي هجوم مماثل، بدل الاعتماد على الصور أو غيرها من الأدوات، ولكنه ينبه إلى أن هذه النيات إنما ولّدتها الحوافز التي خلقتها الولايات المتحدة. وعليه، فإن الطريقة الوحيدة للخروج من الفوضى، من وجهة نظره، هي عبر التراجع عن الحملة بما يكفي لفسح المجال أمام الدبلوماسية، على رغم الانتكاسة التي خلّفها هجوم بقيق وخريص.
دينيس روس لا يتّفق بالكامل مع الرؤية المتقدمة، وإن كان قد تطرق في مقال في صحيفة «ذي واشنطن بوست» إلى الحلّ الدبلوماسي، إلا أنه لم يلبث أن عاد إلى تأييد الخيار العسكري ولو من باب التهديد به، على اعتبار أنه الأمثل «من أجل إظهار الاهتمام الأميركي بالحلفاء». يعتقد روس أن إيران تواصل الرد على حملة «الضغوط القصوى» الأميركية بممارسة نسختها الخاصة من الضغوط القصوى، مذكّراً بأن الإيرانيين لطالما أعلنوا أنهم إذا لم يكونوا قادرين على تصدير نفطهم، فلن يسمحوا لغيرهم بذلك. ويضيف أن من بين وجوه الاستراتيجية التي تعتمدها إيران هو الاعتداءات «القابلة للإنكار» على إمدادات النفط، وذلك «عبر مهاجمة ناقلات النفط وتسعير الحرب بالوكالة في اليمن والعراق من أجل مهاجمة المنشآت النفطية السعودية». إزاء ذلك، يرى روس أنه «يجب على وزير الخارجية الأميركي أن يتحدث مع الأوروبيين، كي يدفعهم إلى الإعلان أن ليس لديهم خيار سوى إعادة فرض عقوبات على إيران في حال قيامها بهجمات مماثلة». ولكنه في الوقت نفسه، يعتقد أن على ترامب أن يتصل بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ويطلب منه تمرير رسالة إلى المرشد الإيراني، علي خامنئي، مفادها أنه «إذا لم تتوقف الهجمات، سنتخذ خطوات عسكرية من أجل إيقافها». وبرأيه، إن بوتين يريد أن يُنظر إليه على أنه الحكم في الأحداث التي تقع في المنطقة، كي لا تبدو الولايات المتحدة هي المقرّر.
من جهتها، ترى آن جيران، في «واشنطن بوست»، أن ترامب «عالق بين ضرورة مواجهة إيران لإرضاء الداعمين الجمهوريين الصقور والحلفاء في إسرائيل والولايات المتحدة، وبين ميله إلى رفض التدخل الخارجي، وتفضيله التوصل إلى اتفاق». بالنسبة إليها وإلى مسؤولين سابقين وحاليين، المسألة أبسط من ذلك، وهي أن «كل ما يجري بشأن إيران نابع من ثابت وحيد، هو أن الرئيس الحالي يريد أن يتفوّق على إرث الرئيس السابق باراك أوباما». باختصار، يريد ترامب التوصل إلى صفقة كانت أصعب على سلفه، الأمر الذي لن يتمكن من تحقيقه، نظراً إلى أن إيران ترفض التفاوض على برنامجها للصواريخ الباليستية.