طلبت كلّ من بلجيكا والكويت وألمانيا، رسمياً أمس من روسيا، عدم استخدام حقّ النقض ضد مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي ينصّ على وقف لإطلاق نار في محافظة إدلب السورية. وأعلن سفراء تلك الدول الثلاث، مع بدء اجتماع للمجلس حول سوريا أنهم «كمسؤولين عن الملف الإنساني في سوريا في مجلس الأمن، ندعو جميع الدول الأعضاء إلى التصويت لقرارنا». وخلال المفاوضات، طالبت روسيا بأن يتضمن النص استثناءً في شأن «عمليات مكافحة الإرهاب»، لكنها لم تنجح في تحقيق مطلبها. وتقول موسكو إنه لا مشكلة لديها في الموافقة على قرار بوقف إطلاق النار، شرط تضمينه استثناءً لعمليات مكافحة الإرهاب، إذ ترى أنّ من غير الممكن التغاضي عن وجود مجموعات مصنفة إرهابية في إدلب.وفي تعليقه على مشروع القرار الثلاثي، ندّد السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، «بتزايد المشاعر الإنسانية لدى أعضاء مجلس الأمن»، كلّما خطت الدولة السورية خطوة إلى الأمام على طريق استعادة مزيد من المناطق. وقال الدبلوماسي الروسي ممازحاً: «إنها النغمة نفسها، يتحوّل الإرهابيون إلى ممثّلين للمعارضة»، مضيفاً أن «مصير القرار كان محكوماً بالفشل منذ البداية، وأنتم تقسّمون مجلس الأمن عمداً». بدوره، ذكّر مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، بأن «اتفاقَي أستانا وسوتشي أكدا حق الحكومة السورية وحلفائها في مواجهة التنظيمات الإرهابية»، متسائلاً: «كيف يغفل المندوب الألماني ضرورة التصدي للإرهابيين الأجانب؟»، و«كيف يمكن متبنّي مشروع القرار تقديمه وهم شاركوا في ما يسمى التحالف الدولي الذي لم يحارب داعش، بل دمر البنى التحتية وقتل آلاف المدنيين؟». وردّ الجعفري على المندوب الكويتي، قائلاً: «نرد على مندوب الكويت ونقدم أدلة على دعم الإرهابيين في سوريا»، مشيراً إلى أن لدى الحكومة السورية «معلومات واعترافات بشأن الإرهابيين الخليجيين في سوريا، وهنالك رعاية للإرهاب في سوريا والعراق».
وفي مقابل المشروع الثلاثي الذي أُسقط بـ«الفيتو» الروسي - الصيني، أعدّت موسكو وبكين، من جهتهما، مشروع قرار مضاد، لكنه لم يمرّ هو أيضاً. وبخلاف مشروع القرار البلجيكي - الكويتي - الألماني، ينص المشروع الروسي - الصيني على أن «وقف الأعمال القتالية لا ينطبق على العمليات العسكرية ضد أفراد أو جماعات أو كيانات مرتبطة بمجموعات إرهابية»، وهو ما كانت تشترط موسكو تضمينه أي قرار يُطرح في الأمم المتحدة بخصوص إدلب. وصوّتت روسيا والصين فقط لمشروع قرارهما، بينما صوّت تسعة أعضاء ضده، فيما امتنعت جنوب إفريقيا وإندونيسيا وغينيا الاستوائية عن التصويت.
على خط موازٍ، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أمس، أن «الأطراف السورية توصلت إلى اتفاق على تشكيل لجنة لإعداد دستور جديد للبلاد»، وهي خطوة تعتبرها المنظمة الدولية مدخلاً أساسياً للعملية السياسية لوقف الحرب المستمرة منذ 8 سنوات. وقال غوتيريش، خلال مؤتمر صحافي عقده في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، إنه «يوجد الآن اتفاق بين جميع الأطراف على تكوين اللجنة، و(المبعوث الأممي) غير بيدرسن يضع اللمسات النهائية مع الأطراف في ما يتعلق بالاختصاصات، ونأمل الانتهاء من ذلك قريباً». وأمل غوتيريش «أن تكون هذه خطوة مهمة للغاية في تهيئة الظروف لحلّ سياسي لهذا الصراع المأساوي». وتعمل الأمم المتحدة، منذ أشهر عديدة، على تشكيل هذه اللجنة التي يجب أن تتألف من 150 عضواً، 50 منهم تختارهم الحكومة السورية، و50 تختارهم المعارضة، و50 يختارهم المبعوث الأممي. ومرّ تشكيل «الدستورية» بمسارات عدة، آخرها وأهمها مسار أستانا الذي يمكن اعتباره الصانع الحقيقي للجنة، وعبره جرى التوصل إليها، لتنتقل الآن إلى الأمم المتحدة، ويصبح البت فيها ومتابعة تشكيلها ضمن أطر المنظمة. ولم يُتَّفَق بعد على الأسماء في اللائحة الثالثة التي تثير خلافات بين دمشق والأمم المتحدة، إلا أن ديبلوماسيين أفادوا، بحسب ما تداولته وسائل الإعلام، بأن الخلاف بين الطرفين تقلّص خلال الصيف إلى اسم واحد فقط على هذه اللائحة. وبالإضافة إلى تشكيلة اللجنة الدستورية، فإن الخلاف بين المعارضة والحكومة يدور أيضاً حول آلية عمل اللجنة وتوزع المسؤوليات بين أعضائها. كذلك، فإن تحول إعلان غوتيريش إلى مادة للتجاذب في المنظمة الدولية في المرحلة المقبلة، سيجعل موعد دخول «الدستورية» حيّز التنفيز قابلاً للتأخر إلى حدّ كبير.