غزة | منذ 13 سنة وملفّ المصالحة بين حركتَي «فتح» و«حماس» عالقٌ بصفته من أكثر الملفات تعقيداً على الساحة الفلسطينية، رغم الجهود التي بذلتها وساطات كثيرة. ومع تشابه غالبية الوساطات، وتعدّد الاتفاقات لإنهاء الانقسام الداخلي، بقي إتمام تنفيذها رهن الاختلاف في نظر كلّ طرف إلى طريقة الحلّ، فضلاً عن دور إسرائيل، اللاعب الرئيس من وراء الستار، والتي باتت لا تخفي أخيراً رفضها إتمام المصالحة. بدءاً من عام 2007 وحتى الآن، تواصلت المحاولات السعودية والقطرية وأخيراً المصرية، وفي كل مرة تبادلت الحركتان الاتهامات حول مسؤولية الإخفاق. إذ تتهم «حماس» السلطة في رام الله برفض مبدأ الشراكة السياسية، فيما تتهم الأخيرة الأولى بالتنصل مما يجري الاتفاق عليه.في الأيام الأخيرة، بلورت ثماني فصائل فلسطينية أساسية ورقة جديدة تضمّنت رؤيتها للمصالحة، وقدّمتها إلى «فتح» و«حماس» وكذلك المصريين، علماً أنها تتضمن أربعة بنود أساسية أتت كخلاصة نقاشات ورؤى (راجع العدد 3860، 20 أيلول 2019). وتزامن تقديم هذه الورقة مع تصريحات أدلى بها رئيس الحكومة في رام الله، محمد اشتية، بإعلان جهوزية حكومته للتوجه «من الغد إلى غزة كحكومة تستلم كافة صلاحياتها على أرضية اتفاق 2017». حركة «حماس» رحّبت بـ«الجهود المبذولة لتحقيق الوحدة الوطنية»، وقال القيادي في الحركة، سهيل الهندي، لـ«الأخبار»، إن «موضوع المصالحة أساسي، ونحن مع أي خطوة لرأب الصدع وتوحيد البيت. أما الورقة (الفصائلية) فهي مرحّب بها، ولن نختلف كثيراً عن الفصائل إن اجتمعت على شيء»، وذلك في وقت أعلن فيه رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، إسماعيل هنية، موافقة حركته على «مبادرة الوحدة... التي قدمتها الفصائل الفلسطينية»، مضيفاً خلال لقاء أمس مع قادة تلك الفصائل: «نضع كل إمكاناتنا تحت تصرف الفصائل لتطبيق المبادرة، ونتمنى على فتح الموافقة عليها».
الهندي نفى علم حركته مسبقاً بهذه الورقة، في إشارة إلى أنباء تحدثت عن اتفاق بين «حماس» والفصائل لإحراج «فتح» بالمبادرة الجديدة، قائلاً: «هذا اتهام غير صحيح. الورقة عُرضت على حماس كما بقية الأطراف». وتابع: «هذه الاتهامات لذرّ الرماد في العيون، فهل يعقل أن تكون حماس تُحرك الفصائل الثماني الوازنة في غزة!». وعن مصير اتفاق 2017 (في القاهرة)، أشار القيادي «الحمساوي» إلى أن «هناك مستجدات مثل تشكيل الحكومة الوطنية التي حظيت بموافقة الجميع، إضافة إلى إلغاء محمود عباس المجلس التشريعي، وبذلك هو أفشل هذا الاتفاق وليس حماس». ولذلك، الحلّ في رأيه «انتخابات شاملة رئاسية وتشريعية مسبوقة بتشكيل حكومة وحدة وطنية لتقود الانتخابات وفق رؤية وطنية».
شاركت ثمانية تنظيمات في كتابة الورقة المُقدّمة إلى «حماس»


في المقابل، يعتبر القيادي في «فتح»، يحيى رباح، في حديث إلى «الأخبار»، أن «المصالحة حالياً ليست أولوية عند حماس التي تحاول التهرب منها، وتخلق لنفسها أولويات أخرى غير الأولويات الفلسطينية»، مضيفاً أن «حماس لم تلتزم أياً من الاتفاقات التي تم التوقيع عليها وآخرها اتفاق 2017، إذ قفزت عنه راكضة وراء أوهام جديدة». ويتابع رباح أن «الانقسام لم يكن بقرار من حماس، بل هي أداة لقرار إقليمي كونها جزءاً من قوى خارجية». وبالنسبة إلى موقف حركته، يلفت إلى أن «فتح لم تقصّر، والدليل أنه بعد انتخابات 2006 تشكلت الحكومة برئاسة هنية».
على صعيد الفصائل المبادِرة، يقول القيادي في «الجهاد الإسلامي»، خضر حبيب، إنه «في ظلّ مواجهة مشاريع تصفية القضية، استشعرنا ضرورة تجاوز أزمة الانقسام، و(كانت) النتيجة رؤية وطنية موقّعة من فصائل غزة تضمنت كل اتفاقات المصالحة كمرجعية»، مضيفاً في حديث إلى «الأخبار»: «وضعنا آلية لتطبيق هذه الرؤية التي نتمنى أن تحظى بقبول طرفي الانقسام». مع ذلك، يحمّل حبيب الطرفين مسؤولية تعطيل المصالحة بسبب إصرار كلّ منهما على موقفه. وفي شأن اتفاق 2017، يلفت إلى تضمينه في هذه الورقة «رغم كونه اتفاقاً ثنائياً بين فتح وحماس، ونحن في الجهاد الإسلامي لنا تحفظات عليه كونه لم يحظَ بتوافق وطني».
كذلك، عبّرت «الجبهة الشعبية» عن دعمها للمقترح، إذ رأى عضو «اللجنة المركزية» للجبهة، إياد عوض الله، أنه «لا خيار إلا استعادة الوحدة. قبل أشهر، توحّد الموقف الفلسطيني في مواجهة صفقة القرن وهذا إيجابي. الآن مطلوبٌ توحيد المؤسسات، وإعادة بناء منظمة التحرير، واستراتيجية جديدة للنضال ضد الاحتلال». وذكّر بأن «اتفاق 2017 لم يأتِ بحل سياسي، وهذا ما يجب أن يكون أساساً نبدأ منه، وما دون ذلك سيحمل قنابل متفجرة، لأنه ما دام الانقسام موجوداً بين نهجين مختلفين، ستبقى الأمور مكانها».
أما يسري درويش، وهو منسق «مبادرة وطنيون لإنهاء الانقسام»، فأكد «(أننا) حالياً في طريقنا لمعالجة الانقسام والذهاب إلى مصالحة حقيقية. كل الظروف الدولية والاعتداءات الإسرائيلية المباشرة تُحتّم علينا إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة». وأشار درويش، وفقاً لمشاركته في جلسات الحوار منذ 2005 حتى 2011، إلى أن «حماس تقول لنا في كل الحوارات إنها جاهزة لتمكين الوزراء (من رام الله) واستقبالهم... المطلوب جهد إضافي من المصريين إضافة إلى رعاية أوسع عبر الجامعة العربية».
وحتى الآن، لم تعلن «فتح» موافقتها على مبادرة الفصائل، لكنها لمّحت إلى أنها لا ترغب في مناقشتها، إذ قال عضو «المجلس الثوري» للحركة، عبدالله عبدالله، إن حركته ليست بصدد البحث في مبادرات جديدة، بل إن «موافقة حماس عليها جاءت لأنها هي من صاغتها». ودعا عبدالله إلى استكمال اتفاق 2017، لأن «أي جداول جديدة مضيعة للوقت». وعقب موافقة «حماس» السريعة، وجّهت الفصائل الثماني رسالة إلى «فتح» وعباس لدراسة المبادرة وقبولها، فيما أعلن القيادي في «حزب الشعب»، وليد العوض، أن الفصائل في انتظار موقف «فتح» للبدء عملياً في إنهاء الانقسام.



عباس يجهّز لانتخابات تشريعية
بالتزامن مع موافقة «حماس» على المبادرة الفصائلية، يستعدّ رئيس السلطة، محمود عباس، لإجراء انتخابات تشريعية من دون توافق مع الفصائل. وكشف قيادي فلسطيني، لـ«الأخبار»، أن «فتح تُجهّز في الأيام المقبلة لحملات إعلامية تتزامن مع إعلان عباس إجراء انتخابات تشريعية جديدة، وذلك لتجاوز الضغط الذي تسبّبت به مبادرة الفصائل». وخلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس، قال عباس: «سأعلن بعد عودتي من الأمم المتحدة موعداً لإجراء انتخابات عامة في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة»، مضيفاً في شأن ثانٍ: «نرفض إعلان (رئيس حكومة العدو بنيامين) نتنياهو نيته ضم أراضٍ فلسطينية، وفي حال فعل سنلغي كل اتفاقاتنا مع إسرائيل»، مطالباً في الوقت نفسه بـ«دعم وكالة (غوث وتشغيل اللاجئين) الأونروا لتستمر في عملها لتقديم المساعدة». القيادي الذي كشف قرار الانتخابات قبل إعلان عباس إيّاه، قال إن «فتح» ستطلق حملة إعلامية تحت شعار «بدنا انتخابات»، على أن تبدأ خلال أيام عبر المواقع الرسمية ومواقع التواصل الاجتماعي، وبمشاركة من بعض الشخصيات المقربة من الحركة. ويفترض أن تلي الحملةَ استجابةُ عباس لهذه المطالب التي ستُقدّم على أنها «شعبية»، وذلك بإصداره مرسوماً لإجراء الانتخابات في الضفة وغزة. وفي حال تعذّر إجراء انتخابات في القطاع، تُجرى في الضفة فقط، على أن يكون موعدها نهاية العام الجاري.