بعد مُضيّ أسبوع على الحراك المطلبي في العراق، وسقوط ما يزيد على 100 قتيل فضلاً عن آلاف الإصابات، بدا أن العنف غير المنضبط قد وضع بغداد على حافة السقوط، وفق ما تقرأ «واشنطن بوست»؛ فالبلاد التي كانت ولا تزال، جزئياً، «خارج التغطية»، بعدما قُطعت خدمات الإنترنت عن المواطنين، وفُرض حظر للتجوال، لم تجد «حلاً سحرياً»، كما قال رئيس حكومتها عادل عبد المهدي، رغم مساعيها لتنفيس غضب الشارع عبر سلسلة إصلاحات سريعة وعدت بتنفيذها.مثّلت الاحتجاجات المناهضة للحكومة، والتي ركّزت، بداية، على انتقاد ما وصفه المتظاهرون بالفساد المستشري، قبل أن تتحوّل إلى «تمرّد» على النظام بأكمله، أكبر تحدٍّ تواجهه حكومة عبد المهدي. تحدٍّ يرقى، بحسب «نيويورك تايمز»، إلى مستوى «الكارثة الأكبر» التي يشهدها العراق منذ احتلال تنظيم «داعش» مدينة الموصل في صيف عام 2014. غير أن الصحيفة نفسها ترى أن رئيس الوزراء يستحقّ فرصة لإخراج بلاده من هذه الأزمة والمُضي قدماً. فرصةٌ قوبلت بتشكيك أعرب عنه دبلوماسيون غربيون تحدّثت إليهم مجلّة «إيكونومست» البريطانية، متسائلين عمّا إذا كان في مقدور عبد المهدي استعادة السيطرة على الشارع. لكن مركز «ستراتفور» الاستخباري ذهب بعيداً في توقّعاته، إذ رأى أن تواصل الاحتجاجات التي «غذّت مظالم طويلة الأمد»، سيؤدّي «عاجلاً وليس آجلاً» إلى سقوط الحكومة. ويرى المركز أنه على الرغم من وجود دلائل تشير إلى أن الوسوم المؤيدة للاحتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي ربما تكون سعودية المنشأ، بالنظر إلى تنوّع الطيف الاجتماعي والسياسي في العراق، فمن غير المرجح أن يتمكّن أيّ لاعب خارجي من الاستفادة، منفرداً، من الاضطرابات الحالية.
«ستراتفور»: تواصل الاحتجاجات سيؤدّي «عاجلاً وليس آجلاً» إلى سقوط الحكومة


في مقال آخر نُشر في «واشنطن بوست»، يقارن كاتبه بين الاحتجاجات في هونغ كونغ وتلك التي تجوب مدن العراق، رغم عدم وجود تقاطعات أو حتى أوجه شبه بين الحالتين. التظاهرات في العراق، يقول، تفتقد هيكلاً تنظيمياً وقيادة، وتُعدُّ مظهراً من مظاهر الإحباط، سببه الفساد، وسوء الخدمات العامة، وارتفاع معدلات البطالة. وبهدف استعادة النظام، فرضت السلطات العراقية حظراً للتجوال وقطعت الإنترنت، لكن ذلك لم يخفّف من غضب المحتجّين، وهو ما يستهدف، جزئياً، «تأثير طهران الضخم في الشؤون العراقية». من جهتها، قارنت «إيكونومست» بين الاحتجاجات الأخيرة وتلك التي خرجت في سنوات سابقة؛ ففي عام 2016، مثلاً، اقتحم آلاف العراقيين المنطقة الخضراء، حيث مقرّ الحكومة، مطالبين بإجراء إصلاحات سياسية. أما راهناً، ومع اتساع نطاق التظاهرات، شهدت عواصم المحافظات تحركات كبيرة خصوصاً في الجنوب، واحتجاجات أصغر وأكثر عنفاً في الضواحي. وإذ تشير إلى أن الإحباطات الاقتصادية والسياسية تمثّل لبّ الاحتجاجات، لكن «الغضب» كان موجهاً ضدّ إيران، صاحبة «النفوذ المفرط». فإقصاء قائد جهاز مكافحة الإرهاب، الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي، دفع بالقبائل الجنوبية إلى الشارع، وفق المصدر ذاته، إذ يعتقد هؤلاء بأن «مساعيه للقضاء على الفساد في الجيش، وخصوصاً بين جماعات الميليشيات الشيعية التي لها علاقات وثيقة مع إيران»، تسبّبت في إقالته. على المنوال ذاته، رأت «بي بي سي» أن الحراك المطلبي الأخير قد يشكّل نقطة تحوّل خطيرة، خصوصاً أن العراقيين لا يدعون، ببساطة، إلى سقوط زعيم أو حزب سياسي، لكنّهم يطالبون بإنهاء نظام سياسي قائم منذ غزو العراق في عام 2003، وهو نظام، كما يجادلون، «خذلهم». هؤلاء يشيرون تحديداً، بحسب «بي بي سي»، إلى الطريقة التي تجري فيها التعيينات الحكومية، ما يسمح للزعماء الشيعة والأكراد والسنّة وغيرهم بإساءة استخدام الأموال العامة وإثراء أنفسهم وأتباعهم ونهب ثروات البلاد. وتضيف أنه «لدى تولّيها السلطة في العام الماضي، وعدت حكومة التكنوقراط بقيادة عبد المهدي بمحاربة الفساد. وبعد مرور العام الأول، أثبت أنه غير قادر وغير راغب في التصدي للطبقة السياسية».
وفي حين يحتاج العراق إلى المساعدة، لا يزال تركيز الحكومات الغربية منصبّاً، أكثر من أي وقت مضى، على حريق محتمل يمكن أن ينجم عن حرب بين واشنطن وطهران مسرحه الأراضي العراقية، من دون استراتيجية لتعزيز سيادة هذا البلد. الحقيقة القاسية، بحسب «نيويورك تايمز»، بالنسبة إلى الولايات المتحدة، هي أن بغداد تعتمد بشكل مفرط على طهران، خصوصاً حين يتعلق الأمر بتلبية احتياجاتها اليومية من الغاز الطبيعي الإيراني وغيره من المنتجات، إذ تبلغ تجارة العراق السنوية مع إيران ما قيمته حوالى 12 مليار دولار، بينما تبلغ قيمة الصادرات الأميركية إلى العراق 1.3 مليار دولار فقط. وفق المصدر ذاته، يمكن واشنطن المساعدة في الحدّ من هذا الاعتماد وتعزيز السيادة العراقية من خلال تمكين بغداد من بناء علاقات أقوى مع البلدان التي يمكن أن توفّر لها بدائل.