في وقت كانت تجلس فيه مسؤولة إسرائيلية في البحرين مع «أصدقائها» من «عرب أميركا»، للتباحث في «الأمن البحري» ضمن ورشة منبثقة عن «مؤتمر وارسو»، كان ينعقد مؤتمر لرؤساء الأركان في الرياض بهدف التصدّي لإيران. في الأثناء، كان وزير الدفاع الأميركي يزور السعودية، في محاولة لرص الصفوف وتفريغ مضمون زيارة فلاديمير بوتين ومبادرة عمران خان وتطمين المملكة بعد الانسحاب من سوريا.بعد أيام من انطلاق مبادرة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان للتوسط بين الرياض وطهران، وزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للسعودية، وصل وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، أمس، إلى العاصمة الرياض للقاء الملك سلمان، وولي العهد، ابنه محمد. زيارة تبدو كإعادة ترتيب لصفوف الحلفاء بعد التطور الأخير في سوريا، في الدرجة الأولى، حيث الانسحاب الأميركي على قدم وساق، وثانياً أنها تتعلق بقرار واشنطن تعزيز قواتها على الأراضي السعودية في أعقاب الهجوم اليمني على منشأتي «أرامكو».
تحتاج واشنطن إلى أن تطمئن الحليف السعودي الذي لا تقلقه قلة النجاعة للحماية الأميركية في وجه الهجمات اليمنية بقدر تجربة التخلي عن «الحليف» الكردي في سوريا. إعادة ترميم الثقة بين الجانبين تحتل المساحة الأكبر من جدول أعمال إسبر الذي يزور الرياض للمرة الأولى منذ تعيينه. وكما نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول في البنتاغون، فإن الولايات المتحدة «ما زالت تريد أن يُنظر لها باعتبارها الشريك المُفضّل في المنطقة، وأن روسيا لا يمكن الاعتماد عليها، سواء في ما يتعلق بمستوى التدريب أم المعدات العسكرية التي يمكنها تقديمها»، وهو ما يعني أن القلق الأميركي جدّي من تبعات زيارة بوتين للمملكة، والمسعى هو إحباط نتائج الزيارة الأولى من نوعها منذ عشر سنوات، خاصة أنها وصفت بـ«التاريخية».
مسؤول في البنتاغون حول زيارة إسبر: لا يمكن الاعتماد على روسيا


ما تقدم يقود إلى الاعتقاد بأن واشنطن تريد الإبقاء على المواجهة مع إيران على حالها، وفرملة أي تراجع سعودي تفكر فيه الرياض، كالاتجاه نحو الحوار مع طهران. هذا المنحى بدا واضحاً مع تزامن زيارة إسبر واستضافة السعودية مؤتمر رؤساء أركان كل من دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر، والأردن، وباكستان، وبريطانيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، وكوريا الجنوبية، وهولندا، وإيطاليا، وألمانيا، ونيوزيلندا، واليونان. ووفق ما أفادت به «وكالة الأنباء السعودية» (واس)، هدف المؤتمر تأكيد «الحماية البحرية والجوية ومناقشة الأعمال العدائية الإيرانية، والمشاركة بالقدرات المطلوبة لحماية أمن واستقرار المنطقة».
وفي هذا السياق، قال رئيس الأركان السعودي، فياض الرويلي، إن «اجتماع اليوم (أمس) جاء للتوصل إلى أنسب الطرق لتوفير القدرات العسكرية المشتركة التي تحقق تأمين الحماية للمنشآت الحيوية والحساسة». كما نقلت «واس» عن بيان للمجتمعين «إدانة الهجمات على المنشآت الحيوية» في المملكة وتأكيد العزم «على ردع مثل هذا العدوان». هذا التحشيد الأميركي الدولي لمصلحة السعودية، وإن كان متواضعاً وفولكلورياً في مضمونه، فإن المطلوب منه المزيد من التطمين. من جهة أخرى، لا يمكن فصل المؤتمر عن مؤتمر الأمن البحري المنعقد في البحرين، الإثنين والثلاثاء، بحضور المسؤولة في الخارجية الإسرائيلية ورئيسة «إدارة مكافحة الإرهاب» فيها، دانا بنفينستي. وهو عودة إلى الاستثمار في «مؤتمر الشرق الأوسط» الذي انعقد في وارسو في شباط/فبراير الماضي. وعبر اجتماعات البحرين، يتطلع الأميركيون إلى تفعيل التقارب الخليجي الإسرائيلي، في وجه طهران، عبر تجاوز عقبات التطبيع الشكلية إلى التعاون العملي على الأرض، ولا سيما أمنياً، وهو ما يتكرر في أكثر من ملف.