عمان | تحركاتٌ سريعة لمجالس قطاعات العاملين في «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) في الأردن، بدأت بتوجيه رسالة في أيلول/ سبتمبر الماضي إلى القائم بأعمال نائب المفوض العام لـ«الأونروا»، البريطاني كريستيان ساوندرز، الذي تمّ تعيينه في مطلع آب/ أغسطس الماضي. لكن ساوندرز لم يستجب للمطالب التي وردت أيضاً في بيان أول صادر في العاشر من الشهر الماضي بعنوان «الضغط يولّد الانفجار»، سلّط الضوء على التقليصات في عمل الوكالة، وتراجع الخدمات بحجة الضغوطات الأميركية والدولية، كما طالب «الأونروا» بأن «تتصالح مع الدول المضيفة»، أي الأردن، كما فعلت في لبنان وسوريا ودفعت زيادات خلال الأزمة المالية، قبل أن يُطلب من الجمعية العامة التصويت على استمرار ولايتها.المطالب، التي يصرّ عليها العاملون في المجالس الأربعة (المعلمون والخدمات والصحة والرئاسة العامة)، تتركّز على منح زيادة لجميع الموظفين في القطاعات كافة من الدرجات 2 إلى 20 قدرها 200 دينار (282 دولاراً أميركياً). وأُعطي إشعار لإدارة الوكالة مدّته 21 يوماً للاستجابة لذلك المطلب تنتهي اليوم السبت، من دون إحراز أي تقدّم. ويفيد مصدر مطلع، في حديث إلى «الأخبار»، بأن ما وافقت عليه إدارة «الأونروا» هو زيادة 50 ديناراً (71 دولاراً) فقط، إضافة إلى ما سيجري تحصيله بعد إجراء مسح الرواتب في مرحلة لاحقة. ولذا، ستبدأ الإجراءات التصعيدية وفق قرارات المجالس والاتحادات غداً الأحد، الذي تَقرّر أن يكون إضراباً مفتوحاً مع تعليق العمل والدوام لجميع القطاعات في المكاتب والمؤسسات والعيادات والمدارس والكليات كافة. ولتوحيد الاحتجاج، تمّ تشكيل لجنة متابعة (من المعلمين والعمال والخدمات واتحاد الرئاسة العامة) لمتابعة إجراءات الإضراب، علماً أن هذه اللجنة اجتمعت لمرات مع ساوندرز ومع «دائرة الشؤون الفلسطينية» في الخارجية الأردنية التي لعبت دور الوسيط لتطويق الأزمة، خاصة أن أيّ اختلال في عمل «الأونروا» يعني أعباء جديدة على الحكومة الأردنية المنهَكة اقتصادياً، إضافة إلى «لجنة فلسطين» في البرلمان. وكان بيانا اللجنة اللاحقان («ماضون في إجراءاتنا» و«ماضون وبإصرار») رفضا حلول إدارة الوكالة المعتمِدة على التسويف والاتكاء على مسح الرواتب وإقرانه بالزيادة.
ويقول أحد العاملين في «الأونروا» - التي لا تسمح لعامليها بالتصريح للإعلام - إنه متفائل بنجاح الإضراب، ولاسيما أنه يأتي بعد نجاح إضراب معلمي الأردن والتضامن الشعبي معه، بل انعكس هذا النجاح على موظفي الجمعية العامة للأمم المتحدة والهيئات والوكالات التابعة لها. ويضيف الموظف أن العاملين يتّكئون في مطالبتهم بالزيادة على مبدأ «فليمينغ» المُتّبع في «الجمعية العامة»، والذي ينص على أنه «تُحدَّد شروط عمل فئة الخدمات العامة على أساس أفضل الشروط السائدة محلياً» في البلد المضيف. ويعزو تفاؤله إلى حصول العاملين في مناطق «الأونروا» الأخرى (الضفة والقدس وغزة ولبنان وسوريا) على زيادات، في مقابل عدم حصولهم هم عليها منذ نحو خمس سنوات. موظف آخر يُبدي هو أيضاً تفاؤله، قائلاً إنه مطّلع على الاجتماعات والنتائج. وفي شأن توقيت الإضراب في مرحلة حرجة من عمل «الأونروا»، وفي ظلّ تجميد الدعم الأميركي مع العجز المُقدّر بنحو 89 مليون دولار، يشير إلى أن «هذه بالضبط حجة إدارة الأونروا والحكومة الأردنية التي تخشى من أعباء جديدة... التجديد للأونروا يعني توفير الدعم لها، وهذا أمر قد حدث»، لافتاً إلى أن «هناك رواتب فلكية لبعض العاملين في الإدارات العليا لا تتناسب مع الواقع الصعب للخدمات والمرافق خصوصاً في قطاعي التعليم والصحة، عدا الفساد الإداري المقترن بالفساد المالي، وسوء الإدارة في أولويات البرامج، وصرف ملايين الدولارات على برامج ثانوية لا تستهدف تحسين الخدمات للاجئين ولا للعاملين الذين هم لاجئون أيضاً». ويتابع: «الكثير من مبالغ الدول المانحة تُرصد لبرامج بعينها لا تساهم في حلّ الأزمة، كأنها برامج شكلية غير قابلة للتطبيق، وهو ما يثير تساؤلات عن الهدف من هذه المصاريف».
وكانت «الأونروا» قد اتخذت إجراءات تقشّف في الأردن بتقليص الوظائف في كلّ القطاعات بأكثر من ألف وظيفة مقابل تعيينها عمال المياومة. كما رفعت أعداد الطلبة إلى خمسين في الشعبة الواحدة ما أدى إلى زيادة العبء التدريسي على المعلمين، وقلّصت عمال النظافة لينخفض عددهم من 1115 قبل عام 2015 إلى 613 الآن يعملون في 13 مخيماً. ومن الملفات المقلقة للعاملين تحسّسهم خطورة التقاعد بنظام «EVS» الذي شطبت عبره الإدارة مئات الوظائف ولم يبقَ لها أثر في ملفاتها، فضلاً عن خصومات التأمين الصحي التي تأكل الراتب، ورفع التأمين على المتقاعدين. وما يزيد الطين بلّة انتشار الفساد والتحقيقات غير المعلنة نتائجها عن حجم الفساد وشكله، إضافة إلى غياب الزيادات على الرواتب منذ سبع سنوات على رغم تدني القيمة الشرائية للرواتب، والضرائب المتزايدة. أما مفهوم «الحيادية» الذي يصفه العاملون بأنه «توسَّع لينال من انتمائنا إلى قضيتنا العادلة ويحول بين المرء والتعبير عن كينونته كلاجئ وانتمائه إلى وطنه السليب»، فاقترن بعقوبات طاولت كثيرين جرى التحقيق معهم بسبب المشاركة في التعبير عن القضية الفلسطينية.