غزة | بينما يوشك العام الجاري على الانتهاء، يستعد قطاع غزة للعودة إلى أزمات خانقة تزامناً مع انتهاء «إبر البنج» كما يسميها الغزيون، في إشارة إلى المنحة القطرية للعائلات الفقيرة، خاصة بعد إبلاغ مندوب الدوحة، محمد العمادي، «حماس» والفصائل الأخرى في القطاع، صعوبة تجديد المنحة. صحيح أن هذه الأموال لم تغطّ كل العائلات الفقيرة، وحتى التي وصلها لم يتعدّ المبلغ في المرة الواحدة مئة دولار أميركي، لكنها على الأقل كانت «إجراءات إسعافية» أدت إلى كبح الانفجار. ورغم دخول الأموال القطرية على نحو منتظم شهرياً طوال العام الجاري، إلى جانب الدفعتين المتوقع دخولهما الشهرين الجاري والمقبل، لا يزال الغزيون غير راضين عن الواقع الصعب الذي يعيشونه، خاصة أنهم يعلمون أن ما تقدمه الدوحة فيه مصلحة إسرائيلية قبل أن تكون فلسطينية.تقول مصادر في «حماس» لـ«الأخبار» إن العمادي أبلغ الفصائل، خلال زيارته الأخيرة، بـ«صعوبة تجديد المنحة» التي تقدر بـ30 مليون دولار شهرياً وتغطي نحو 109 آلاف أسرة إضافة إلى دفعها جزءاً من ثمن الوقود لكهرباء القطاع. مع ذلك، تشير المصادر إلى أن قيادة الحركة تعوّل على تجديد المنحة عبر الاتصالات مع الأمير تميم بن حمد، لأن «عدم التجديد يعني الذهاب إلى الانفجار في وجه الاحتلال الإسرائيلي المسؤول الأول والأخير عن الحصار». وعن البديل، تقول: «على الاحتلال تحويل أموال المقاصة (الضرائب) الخاصة بالقطاع (بطريقة مباشرة أو غير مباشرة) إلى وزارة المالية في غزة، أو رفع الحصار كلياً... أو تحمّل تبعات الانفجار».
أبلغ العمادي «حماس» والفصائل صعوبة تجديد المنحة بعد شهرين


وفق إحصاءات رسمية وأهلية، نسبة الفقر والبطالة في غزة من الأعلى عالمياً. وتظهر معطيات جديدة صادرة عن وزارة التنمية في غزة زيادة نسبة الفقر والبطالة خلال العام الجاري لتقارب 75%، فيما بات 70% من سكان القطاع «غير آمنين غذائياً»، و33.8% «تحت خط الفقر المدقع». في هذا الصدد، يقول وكيل الوزارة، غازي حمد، لـ«الأخبار»، إن «الواقع الصعب دفع الكثير من السكان إلى شراء الأغذية ومياه الشرب عن طريق الاستدانة». أما «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، فقالت في بيان قبل أيام، إن نحو 80% من سكان القطاع البالغ عددهم أكثر من مليونين «يعتمدون على المساعدات الإنسانية»، مضيفة أن «حوالى مليون لاجئ من فلسطين يعتمدون على المعونة الغذائية الفصلية التي تقدمها (الأونروا) لتلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية»، منهم 620 ألف شخص في غزة يعانون «الفقر المدقع» ويعيشون على أقل من 1.6 دولار في اليوم.
من ناحية ثانية، وصل العجز في تكاليف إعادة الإعمار إلى أكثر من 200 مليون دولار، رغم مرور أكثر من خمس سنوات على انتهاء الحرب الأخيرة، في حين أن قرابة 25 ألف وحدة سكنية مأهولة تحتاج إلى إعادة بناء، فيما تحتاج نحو 60 ألف وحدة إلى ترميم كي تلبي معايير الحد الأدنى الملائم للسكن. كذلك تقول وزارة الأشغال العامة إن قرابة 2250 وحدة هُدمت خلال حرب 2014 وما قبلها لا يتوافر لها أي تمويل لإعادة بنائها.


على الجهة المقابلة، يواصل العدو الإسرائيلي ضغطه وتعقيد الموقف، خاصة بعدما حذر قائد «الجبهة الجنوبية» في جيش الاحتلال، اللواء هرتسي هليفي، ممّا وصفه بمخاطر مشاريع التنمية الاقتصادية في القطاع، لأنها «قد تسهم في تعزيز الإرهاب وزيادته». وقال هليفي خلال لقائه ممثلي «المنظمة الصهيونية العالمية» في إطار جولة ميدانية على الحدود مع غزة، وفقاً لتسجيلات نشرتها «هيئة البث الإسرائيلي» (كان)، «إنني أحذر من إمكانية السماح بإدخال القدرات الاقتصادية المتقدمة... عليكم بداية أن تثبتوا لنا أن التنمية الاقتصادية لن تؤدي إلى تنمية القدرات الإرهابية». وأضاف: «عندما تتطور قدرات المنظمات في غزة، سنجد أنفسنا حتماً أمام حرب واسعة. كلما عزّز سكان غزة قدراتهم، سيتعيّن علينا ممارسة قوة أكبر، وسنعود بغزة مرة أخرى إلى الوراء من جديد»، في إشارة إلى الحالة التي تلت الحروب الثلاث في السنوات الأخيرة. ولذلك، يرى هليفي أن «المخرج من كل هذا يتمثل في حل ينجح في الفصل بين الازدهار الاقتصادي للقطاع، وتعزيز قدرات الإرهاب داخله».