الحسكة | ينتظر أهل شرقي الفرات مصير الاتفاقات التي تسعى موسكو إلى إنجازها مع أنقرة، لتطبيق مراحل جديدة من «اتفاق سوتشي»، توازياً مع استمرار واشنطن في عرقلة الجهود الروسية الهادفة إلى خفض التصعيد ودخول الجيش السوري إلى المنطقة، وذلك عبر تسيير دوريات في مناطق خاضعة للاتفاق. فبعد استكمال «التحالف الدولي» سحب آلياته وعناصره من ريفي حلب والرقة كلياً، وعبورها إلى الحدود العراقية عبر معبر «اليعربية ـــ الوليد»، تابع الأميركيون تسيير دوريات لليوم الثالث على التوالي في المنطقة ما بين القامشلي والمالكية في الشمال الشرقي، والتجوال في عدد من آبار النفط والغاز. وتهدف هذه الدوريات إلى تكريس جزء من القوات الأميركية في سوريا، وهو ما أعلنه الرئيس دونالد ترامب صراحة، تحت عنوان «حماية آبار النفط».كذلك، عزّزت واشنطن من حضورها في مناطق الحقول النفطية في ريف دير الزور الشمالي الشرقي، وسرت أنباء عن اعتزام «التحالف» بناء قاعدة في بلدة الصور شمال دير الزور، لتكون قاعدة رئيسية لهم في المحافظة. في المقابل، انخفض النشاط الروسي باستثناء تسيير دوريات في عين العرب في ريف حلب، مع معلومات عن اجتماعات روسية ــــ تركية متواصلة لإنجاز ترتيبات أمنية تتعلّق بانتشار الجيش السوري على طريق «حلب ــــ الرقة» الدولي. كما انخفضت وتيرة المعارك بين «قسد» وفصائل «الجيش الوطني» المدعوم من أنقرة، أمس، مع دخول دفعة ثانية من الجيش السوري من ريف الرقة إلى الحسكة، وتوجّهها لتعزيز نقاط انتشار الجيش في أرياف رأس العين والشريط الحدودي مع تركيا. أما «قسد»، فأعلنت صدَّ هجوم واسع لـ«الوطني»، على طريق «حلب ـــ الحسكة» الدولي، من محور سلوك، إضافة إلى صدّ هجمات مماثلة على قرى شمال عين عيسى في ريف الرقة الشمالي.
انخفض النشاط الروسيّ باستثناء تسيير دوريات في عين العرب


في غضون ذلك، تتواصل انتهاكات الفصائل المسلحة المدعومة تركياً بحق سكان القرى والبلدات التي سيطروا عليها في ريفي الحسكة والرقة، وسط معلومات عن عمليات سلب ونهب واسعة، مع حالات إعدام ميدانية للمدنيين بتهم مختلفة. تزامن ذلك مع إعلان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، خلال لقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدء تشكيل لجان لدراسة المقترح التركي بإنشاء منطقة آمنة للسكان في الشمال السوري. ودفع الإعلان «الإدارة الذاتية» إلى إدانة هذه الخطوة في مؤتمر صحافي، داعية «الأمم المتحدة إلى تجاهل مقترح دولة الاحتلال التركي، في توطين عوائل المرتزقة»، كما دعتها إلى «تشكيل لجان تقصّي حقائق للاطلاع على ممارسات تركيا ومرتزقتها، وانتهاكاتهم بحق المدنيين».



انتهاكات تركية... وارتياح لوجود الجيش السوري
داخل مركز إيواء في بلدة صفيا في ريف الحسكة، تحتضن سيدة من قرية الأميرط في ريف رأس العين طفلها، قائلة إنها لا تعرف شيئاً عن عائلتها التي تركتها عرضة للقصف المدفعي التركي ورصاص المسلحين، بعد أن هاجموا قريتهم، ما دفعها مع غالبية سكان القرية إلى الفرار باتجاه الحسكة. أما الشاب محمد، فيقول إنه غادر رأس العين بعد احتلالها من الجيش التركي والمسلحين، مضيفاً: «تعرّضت منازل المدنيين للسلب والنهب والسرقة المتعمدة من الفصائل المسلحة التي دخلت المنطقة». وتابع: «شاهدت بعيني كيف يسرقون ممتلكات الناس». وفي مركز الإيواء نفسه في صفيا، ثمة طالبة يسجّل الصحافيون والمصورون الموجودون حديثها: «حتى صابون المنازل سرقوه، لم يتركوا لنا شيئاً في منازلنا». تتمتم وتدير وجهها، ثم تعود: «اتصلوا بي من البلدة اليوم وقالوا لي إن المسلحين سرقوا كل رؤوس الماشية والبقر والدجاج والأدوات الكهربائية والمنزلية... لقد دمّرونا، الله لا يسامحهم». ومع تعدّد الشهادات عن حجم الانتهاكات، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات صوتية لقادة فصائل في «الجيش الوطني»، يتبادلون فيها الاتهامات بالسرقة والنهب في المناطق التي سيطروا عليها.
على المقلب الآخر، يتجمّع عشرات المدنيين حول آليات للجيش السوري في بلدة أبو راسين في ريف رأس العين، ليعلنوا ترحيبهم بالجيش عبر هتافات مختلفة. وأثناء استطلاع مجموعة من الصحافيين لآراء السكان المتجمعين لاستقبال الجيش، يصرخ أحد الرجال: «الحمد لله، اتصلت بأولادي الآن وطلبت منهم العودة مع دخول الجيش، فلم يعد هناك داعٍ للنزوح». أما أحمد، وهو أحد سكان أبو راسين، فيشرح لـ«الأخبار» سبب بقائه في البلدة: «كنا نشعر بالخوف الشديد. تحمّلنا المعارك والقصف لكي لا تنهب منازلنا»، ولكن اليوم «نشعر بالأمان، وأنا متأكد منذ الغد أنه سيبدأ سكان البلدة بالعودة إليها، لأن وجود الجيش يعطينا الأمان». يحدّثك الناس هنا عن مشهد أرتال الجيش وهي تدخل البلدة والبلدات المجاورة. ويخبرك أحدهم بأن هذا المشهد «كان حلماً لسكان البلدة وقد تحقّق».