بغداد | حتى هذه اللحظة، لم ينتج عن الاحتجاجات المستمرة منذ 1 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي تغييرات سياسيّة يطمح إليها المتظاهرون، رغم اعتراف الحكومة الاتحادية، بشخص رئيسها عادل عبد المهدي، بأنها «هزّت السياسيين». المطالب المرفوعة في «ساحة التحرير»، وسط العاصمة بغداد، تختلف كثيراً عن تحركات الحكومة الإصلاحيّة. هناك، من قلب الساحة، ثمة من يطالب بإلغاء البرلمان وتغيير نظام الحكم، بالتزامن مع دعوتين متضاربتين: الأولى حكوميّة أكّدت «حصر التظاهرات في مكانٍ واحد»، أما الثانية فشبابيّة، ودعت إلى توسيع رقعة التظاهرات لتشمل أكثر من جسر حيوي، وصولاً إلى «المنطقة الخضراء». في «التحرير»، اتخذ المتظاهرون مبنى «المطعم التركي» (كان يضم مطعماً تركيّاً قديماً في طوابقه العُليا) مقرّاً لاعتصامهم المفتوح، بعدما منعتهم القوات الأمنيّة، أكثر من مرّة، من عبور «جسر الجمهورية» والوصول إلى «الخضراء»، معقل الوزراء والنوّاب وكبار المسؤولين. المتظاهرون أطلقوا على المبنى تسمياتٍ عديدة أبرزها «جبل أُحُد» لموقعه الاستراتيجي وطوابقه الأربعة عشر. إطلالته «المميّزة» على الضفة الأخرى لنهر دجلة دفعت المحتجين إلى «تأكيد» ارتباطه بأولى معارك المسلمين التي حملت الاسم عينه، خاصّةً أنهم اتخذوه لتحذير رفاقهم من أي تحرّكٍ «نوعي» للقوات الأمنيّة.
الناشطة لميس عبد الكريم أكّدت أن «التحرير شهدت العديد من الأيقونات ستبقى درساً للأجيال القادمة»، معتبرةً في حديثها إلى «الأخبار» أن أهمّها هو تسمية المبنى، وبعد 25 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي بـ«جبل أحُد»، في «إشارةٍ واضحة إلى تصنيف الحق والباطل، وإلى موقف المتظاهرين المعتصمين فيه خوفاً من إحباط القوّات الأمنية لثورتهم». وتضيف: «شباب أُحُد لقنوا السياسيين درساً لن ينسوه، بعدما تمكّنوا من إعادة التيّار الكهربائي إلى المطعم في غضون أيّام. أوصلوا إليه الماء الحار والبارد، ونظّفوه من الأوساخ المتراكمة منذ سنوات، وكل ذلك بإمكانات بسيطة لا تعادل شيئاً أمام ميزانية البلاد الخيالية». ورغم مشاهد القتل والعنف، فإن تكاتفاً كبيراً أظهره المتظاهرون بعضهم تجاه بعض. فالبغداديون اليوم يشبّهون «التحرير» بزيارة أربعينية الإمام الحسين، لإحساسهم بـ«قدسية المكان»، في ظل انتشار كبير لـ«المواكب الحسينية»، التي انتقلت إلى هناك لتقديم الطعام المجانيّ إلى المتظاهرين، فأزالت بذلك فوارق اجتماعية كانت موجودة، ولم يعد يُنظر بعدها لأي فئةٍ على أنها أقل درجة أو مكانة من الأخرى.
سمّى المتظاهرون مبنى «المطعم التركي» «جبل أُحُد»


الحكومة، وفق عددٍ من المتظاهرين، لا تريد أن تدرك حقيقةً تميّز هذه التظاهرات التي أطلق شرارتها متخرّجو الجامعات وحملة الشهادات العليا، لينضم إليهم لاحقاً الشباب المتعطلون من العمل، والنساء والأطفال. في هذا السياق، تقول النائبة السابقة والقيادية في «الاتحاد الوطني الكردستاني» ريزان شيخ دلير، إن «البرلمان لن ينفذ مطالب المتظاهرين لأنّه عجز عن تشريع القوانين التي تخدم المواطن خلال دوراته السابقة»، متسائلةً: «كيف سينفّذ المطالب التي تحتاج إلى تشريع قوانين جديدة وتلغي قوانين سابقة؟». وهي تؤكّد في حديثها إلى «الأخبار» أن «المطالب مشروعة وعلى الحكومة تنفيذها»، آسفةً لـ«تحرّكٍ حكوميّ من شأنه حصر التظاهرات في مكان واحد، بحجّة إعادة الحياة إلى طبيعتها، وممارسة المواطنين أعمالهم اليوميّة».
أمنيّاً، وفي تطوّرٍ خطيرٍ، أقدم عشرات المتظاهرين، أمس، على عبور «جسر الأحرار» وسط العاصمة باتجاه «الخضراء»، ما أدى إلى سقوط عددٍ من القتلى والجرحى. وقال المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء عبد الكريم خلف، في بيان مقتضب، إنه «تم اتخاذ الإجراءات الضرورية من قوات حفظ النظام لإبعاد مجموعات قامت بحرق عمارة مطعم بعلبك، وسط بغداد، وقوات الأمن قامت بتفريقها»، مبيّناً أن «فرق الدفاع المدني تقوم بتأمين المنطقة». وأضاف البيان: «المجموعات التي عبرت جسر الأحرار توجّهت إلى وزارة العدل، حيث تصدّت لها قوات حفظ النظام وتمكنت من تفريقها». كذلك، اتّهم قائد عمليات بغداد، الفريق الركن قيس المحمداوي، «مندسين» بالوقوف خلف حادثة «جسر الأحرار»، واصفاً إيّاها بـ«الإساءة الكبيرة»، في حين أعلن عضو «المفوضية العليا لحقوق الإنسان» علي البياتي سقوط ثلاث ضحايا و150 مصاباً (من المتظاهرين والقوات الأمنية) في تظاهرات وسط بغداد. أما جنوباً، وفي محافظة البصرة، فأفادت مصادر أمنية بوصول قوّةٍ من «الفرقة التاسعة» في الجيش إلى مدينة أم قصر لتتسلم قاطع المسؤولية بدلاً من القوات البحرية، بعد امتناع ضباط الأخيرة وجنودها عن المشاركة في فضّ اعتصام المدينة وتفريق المحتجين. وفي محافظة ذي قار، أصيب أربعة متظاهرين، في حصيلة الاحتجاجات الدائرة في منطقة الشعلة، في قضاء الشطرة شمال المحافظة.