سياسياً وميدانيّاً، يمضي عادل عبد المهدي في تعزيز حضور حكومته. إصلاحاتٌ عديدة من شأنها استيعاب غضب الشارع، ونيل رضى «المرجعية»، يسعى رئيس الوزراء إلى تنفيذها، بدءاً من تعديلات وازنة وجوهرية تطاول تشكيلته الوزارية، ولا تنتهي بتعديل القانون الانتخابي. وفي هذا السياق، باتت إقالة «مفوضية الانتخابات» ضرورية، في تحدٍّ هدفه إثبات «نزاهة» انتخابات لا تخضع لأي تزويرٍ أو ابتزاز.رئيس الوزراء عادل عبد المهدي «باقٍ في موقعه»، فـ«الاستقالة غير واردة إطلاقاً». زوّاره ينقلون عنه ذلك، كما عبّر عن الأمر «علناً» في كلمته المتلفزة، أمس. ثمة من روّج، طوال الأيام الماضية، بأن الحلّ الأمثل للأزمة السياسية القائمة منذ 1 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، هو «تضحية» كُلّ من تحالف «سائرون» (المدعوم من زعيم «التيّار الصدري» مقتدى الصدر)، وتحالف «الفتح» بزعامة هادي العامري (تجمّع الكتل النيابيّة المنبثقة عن فصائل «الحشد الشعبي»)، بعبد المهدي. «سردية» يدأب رئيس الجمهورية برهم صالح، على ترويجها، وفق مصادر مطّلعة أكّدت في حديثها إلى «الأخبار»، أن «هذا الأخير يسعى إلى تطبيق هذه النظرية»، بالتعاون والتنسيق مع عددٍ من القوى السياسية المتضرّرة من التركيبة الحاكمة، وعلى رأسها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي. مردّ ذلك إلى حسابات سياسية صرفة، مرتكزة على التنسيق مع الجانب الأميركي ودول خليجية أخرى. حراكٌ بدأه صالح منذ 1 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي حتى اليوم، بركوبه موجة التظاهرات من جهة، والتقارب مع تلك القوى من جهة ثانية، مراهناً على اصطفافٍ للصدر إلى جانبه، والمضي بشارع الأخير في مشروع الانتخابات المبكرة، وغيرها. فشِل رهان صالح على الصدر، إذ حملت عودته إلى العاصمة الإيرانية طهران، رسالة واضحةً بأن «مشروعه كُسر». وعليه، يتمثّل سلاح رئيس الجمهورية حالياً في خلق مناخ سياسي ــــ إعلامي يدعو إلى «ضرورة استقالة الحكومة والنزول عند طلبات الشعب».
في المقابل، يمضي عبد المهدي ــــ وفي ظل اتصالاته المستمرة مع الكتل السياسية وعلى رأسها «سائرون» و«الفتح» والتماسه أجواءً إيجابية ــــ في مسارَين اثنين لاستيعاب الشارع الغاضب: الأوّل سياسي، والثاني ميداني. في المسار الأوّل، سيكون في مقدمة الحزم الإصلاحية الكبيرة التي اتخذتها الحكومة سابقاً، والساعية إلى تطبيقها مع عودة الهدوء إلى الشارع، إجراء تعديلات وزارية تطاول أكثر من نصف التشكيلة الوزارية (تتألف الحكومة من 24 وزيراً)، بالاتفاق مع القوى السياسية، وبشرط «إطلاق يد» رئيس الوزراء لاتخاذ أي إجراءٍ يراه مناسباً، بعيداً عن حسابات القوى والأحزاب. ووفق المعلومات، فإن هذا التعديل سيجرى بشكل تدريجي بناءً على جدول زمني يراه مناسباً، وفقاً لـ«مصلحة آليات الإنتاج الحكومي».
الأمر الآخر، الذي يوليه عبد المهدي أهميةً قصوى، هو إجراء تعديلٍ على قانون الانتخابات الحالي. مطلبٌ يُعيد إلى الأذهان النقاش الحاد الذي سبق الانتخابات التشريعية الأخيرة (أيّار/ مايو 2018)، ودعوة بعض القوى إلى اعتماد قانونٍ يسمح بتمثيل أكبر شريحة ممكنة من المرشحين المستقلّين، بعيداً عن التحالفات الحزبية الواسعة. فالقانون المعتمد يخدم «الكبار لا الصغار». ويأتي تنفيذ هذا المطلب نزولاً عند رغبة «النجف» (مقر «المرجعية الدينية العليا» آية الله علي السيستاني)، المتمسّكة بضرورة تمثيل هذه الشريحة المهمّشة، بدءاً من تعديل القانون الحالي، وتقديم بديل منه، وصولاً إلى تغيير «المفوضية العليا للانتخابات»، بوصفها جزءاً أساسياً من منظومة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة.
تفسّر مصادر حكومية حجب خدمات الإنترنت بـ«ضرورة ضبط الوضع المتفلّت»


تمثّل هذه «المفوضية» الخاضعة لهيمنة الأحزاب والقوى ــــ وبإجماع الأخيرة أيضاً ــــ «وكراً للفساد». فهي من المفترض أن تكون مؤسسةً حيادية، تشرف على انتخابات «نزيهة»، لكنّها في الواقع تعمل وفق أجندات سياسيةٍ قائمة على الابتزاز المالي والتزوير لمصلحة «من يدفع أكثر». وتكشف مصادر «الأخبار»، أن هذه «المفوضية»، في ظل الأزمة القائمة، فاوضت في الأسابيع الماضية إحدى الشركات الإسبانية، لإبرام عقدٍ لشراء تجهيزات «عدّ وفرز النتائج». وتضيف المعلومات إن الوفد العراقي فاوض الجانب الإسباني على «إمكانية تغيير النتائج، وآلياتها، وفقاً لمصلحة تراها هي في لحظةٍ مناسبة». هذا العرض، الذي جوبه بالرفض، دفع بالوفد العراقي إلى حرف مسار التفاوضات والعودة «شرقاً»، وتحديداً إلى إحدى الشركات الكورية الجنوبية، علماً بأن فضيحةً طاولت الطرفين، وصلت الى حدّ الـ 15 مليون دولار، جراء عقدٍ أُبرم قبل الانتخابات الأخيرة.
وتشدّد النجف، وفق المعلومات، على ضرورة «تنقية المفوضية من وجوهها الفاسدة»، وسحب هيمنة الأحزاب والقوى السياسية عليها، بهدف إصلاحها، على اعتبار أن هذه الخطوة تشكّل «مدخلاً ضامناً وإثباتاً لجدية عبد المهدي في تنفيذ إصلاحاته المرتقبة». فالانتخابات المبكرة لا تلوح في الأفق، والمطلوب هو التحضير لانتخابات 2022 بقانونٍ «عصري» وإشراف نزيه، لا أن يتكرّر ما جرى في الانتخابات الأخيرة، والتي شهدت «تزويراً»، تُكابر السلطة القائمة ــــ حتى الآن ــــ في الكشف عنه.
ميدانيّاً، ورغم تعمّد الحكومة الاتحادية إلى حجب خدمات الإنترنت مجدّداً، إلا أنّها تفسّر هذه الخطوة بـ«ضرورة ضبط الوضع المتفلّت». والمقصود هنا، وفق مصادرها، «ليس قمع الشارع أو سحب المتظاهرين، بل التفريق بين السلمي منهم والمخرّب»، وخصوصاً أن «الساعات الأخيرة حملت إشاراتٍ أمنية على أن ثمّة من يريد دفع البلاد إلى توتّرٍ أمني، والمزيد من الفوضى، والحل يقضي ــــ بناءً على التجربة واستخدام المتظاهرين لوسائل التواصل الاجتماعي ــــ بحجب هذه الخدمة ليهدأ الشارع»، وحصر التظاهرات في «ساحة التحرير»، وحتى من دون أن يصل المحتجون إلى «جسر الجمهورية»، الذي يربط الساحة بـ«المنطقة الخضراء»، منعاً لسقوط المزيد من الخسائر.
ووفق المصادر، فإن الحكومة الاتحادية ترى في «السلميين» ضمانةً لتنفيذ وعودها الإصلاحية، وتشجّع على ضرورة وجودهم في الشارع، وخصوصاً أنّهم سارعوا، في الأيام الماضية، إلى التواصل مع الأجهزة الأمنية لمنع «المندسّين» و«المشبوهين»، الذين يحاولون حرف مسار تظاهراتهم، ويدفعون بالأجهزة الأمنية إلى استخدام العنف مقابل تجمعاتهم. وتفيد المعلومات بأن انسحاب معظم مؤيدي الصدر من الساحات ساهم بشكلٍ فعّال في خفض زخم التظاهرات، ما أسفر عن تضاؤل عديد المتظاهرين، الأمر الذي يسمح للقوات الأمنية بتمييز الشارع والعمل على استيعابه.



عبد المهدي: الاستقالة تعمّق المشاكل
أكّد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أن «استقالة الحكومة لا يمكن أن تتحقّق من دون تأمين بديلٍ سلس وسريع»، لافتاً إلى أن «الاستقالة ستترك فراغاً يزيد من عمق المشاكل، فحكومة تصريف الأعمال مقيّدة السلطات، وليس بإمكانها تمرير الموازنة المالية وإجراء الإصلاحات المطلوبة».
وفي كلمةٍ متلفزة، قال إن «إجراء انتخابات نيابيّة مبكرة غير ممكن من دون البرلمان، وبعدم وجوده كيف يمكن تعديل قانون الانتخابات، وتشكيل مفوضية جديدة»، مشدّداً على «سلمية التظاهرات، ومطالبها مشروعة، وأن حكومته ستعمل على تلبية مطالبها وفق القوانين النافذة». لكنه حذّر، في الوقت عينه، ممّن وصفهم بـ«المخرّبين، الذين اعتدوا على الأموال العامة والخاصة»، متوعّداً إيّاهم بـ«المواجهة بشكل حازم». وأضاف أن «محاولات المحتجين فرض العصيان المدني والإضرابات، تضرّ بقطاعات الدولة ومؤسساتها، وتعيق الاستثمارات والمشاريع»، ذلك أن «تعطّل قطاع النفط يؤثر سلباً على البلد، ولا يمكن توفير الأموال اللازمة لإدارته والقيام بالإصلاحات المطلوبة، كما سيتسبب بهروب المستثمرين، وهو ما يلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد».
(الأخبار)