قبل أن تبدأ مباحثاتهما الرئيسية، آثر الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يستقبل ضيفه رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بخطاب تحذيري من فشل مباحثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ودعا أوباما نتنياهو، في مستهل لقائهما، إلى اتخاذ قرارات «صعبة» من أجل السلام، مذكراً إياه بأن المهلة المحددة لانتهاء المفاوضات المباشرة بين الطرفين، بحسب ما اتفق عليه لدى انطلاقها في تموز الماضي، تقترب، وهي في التاسع والعشرين من نيسان المقبل.
من جهته، قال نتنياهو: «حتى الآن، فككت إسرائيل» مستوطنات وأفرجت عن مئات «الإرهابيين» الفلسطينيين، مضيفاً أن «إسرائيل قامت بما يجب عليها القيام به، وأنا متأسف لقول ذلك، إلا أن الفلسطينيين لم يقوموا بالمثل».
وكان أوباما أكد في وقت سابق صعوبة الدفاع عن إسرائيل في حال عدم التوصل إلى تسوية، في المحافل الدولية، مروراً بالتشديد على أن الوقت المتاح لعملية التسوية آخذ بالنفاد، وصولاً إلى الثناء على رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، باعتباره الأكثر اعتدالاً واستعداداً للتسوية.
في المقابل، ردّاً على العناوين التي استقبله بها أوباما، أوضح نتنياهو لدى هبوط طائرته في واشنطن، أن إسرائيل معنية بتسوية جيدة، مؤكداً أن «رقصة التانغو في الشرق الأوسط تحتاج على الأقل إلى ثلاثة، اثنان منهما موجودان، هما إسرائيل والولايات المتحدة، والآن ننتظر إذا ما كان سيحضر الفلسطينيون»، في إشارة إلى أن الكرة الآن في الملعب الفلسطيني. وكان نتنياهو قد وجه مجموعة رسائل، قبل إقلاع الطائرة باتجاه واشنطن، عكست وجود مسافة تفصله عن مواقف أوباما، من القضايا المطروحة وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وأعلن نتنياهو أنه سيواجه الضغوط التي سيتعرض لها في كل ما يتعلق بمصالح إسرائيل الحيوية، وفي مقدمتها أمن مواطنيها، مشيراً إلى أن «إسرائيل تعرضت في الأعوام الأخيرة لضغوط من عدة أطراف، ورفضناها... وهذا ما كان وما سيكون».
وبالرغم من انشغالات الرئيس الأميركي بالحدث الأوكراني الذي يهيمن على اهتمامات البيت الأبيض، كان لافتاً جداً الرسائل اللاذعة والصريحة التي وجهها أوباما للضيف الإسرائيلي، والتي أوضح فيها أن «دفاع واشنطن عن إسرائيل في مواجهة الجهود الرامية إلى عزلها دولياً سيكون أصعب إذا فشلت المحادثات ومضت إسرائيل قدماً في توسيع المستوطنات في الضفة الغربية»، وهو ما شكل رسالة أبلغ وأشد من تلك التي وجهها إلى إسرائيل وزير خارجيته جون كيري، قبيل أسابيع وأثارت ردود فعل في إسرائيل. وأضاف أوباما، في مقابلة أجراها معه، في البيت الأبيض، الصحافي جفري غولدبرغ، أنه سيبلغ نتنياهو بأن وقت إسرائيل في التوصل إلى اتفاق سلام على أساس الدولتين أخذ في النفاد. وتوجه أوباما إلى نتنياهو، متسائلاً: «إذا لم يكن الآن فمتى؟ وإذا لم تكن أنت السيد رئيس الحكومة، فمن حينئذ؟». لكنه في الوقت نفسه أكد أن خلفيّة نتنياهو اليمينية تمكنه من إمرار اتفاق التسوية بين الجمهور أكثر من أي زعيم آخر، وخاصةً أنه «صارم، وسياسي موهوب، وأنا أؤمن بأنه يرى ضرورة حل الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. أعتقد أنه يؤمن بذلك حقاً».
وفي موقف يتعارض مع سياسة التشكيك الإسرائيلية بحقيقة جدية رئيس السلطة الفلسطينية في الوصول إلى تسوية شاملة مع إسرائيل، أثنى أوباما على الرئيس محمود عباس، مؤكداً أنه على استعداد للاعتراف بحق إسرائيل في الوجود ومنحها الترتيبات الأمنية التي تحتاجها. وبدا كمن يضع الكرة في الملعب الإسرائيلي عندما أضاف أنه «سيكون من الخطأ عدم استغلال هذه الفرصة»، في إشارة إلى اعتدال مواقف عباس. وفي الوقت الذي أعرب فيه عن تفهمه لحساسية الموضوع الفلسطيني في إسرائيل، مؤكداً أن نتنياهو يواجه ذلك، وأنه يتفهمه، قال أوباما: «لكن كلما مضى الوقت، سيزداد عدد الفلسطينيين ولن يتقلص، وكلما مضى الوقت سيزداد عدد العرب في إسرائيل، ولن يتقلص».
وفي ما يتعلق بالقضية النووية الإيرانية، كان لافتاً استخدام أوباما أسلوباً بدا كما لو أن إسرائيل على وشك المبادرة إلى مهاجمة إيران، والطلب الأميركي هو الذي يكبحها، كجزء من استراتيجية الضغوط على طهران؛ إذ أوضح أوباما أنه سيحث نتنياهو على السماح له بالوقت اللازم لاختبار استعداد إيران للحد من طموحاتها النووية.
من جهة أخرى، رأى رئيس البيت اليهودي، اليميني المتطرف، نفتالي بينيت، أن السبب الذي يعطل التوصل إلى تسوية هو عدم وجود شريك فلسطيني، متسائلاً: «مع من سنوقع هذه الاتفاقية؟». لكن بينيت أضاف في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، أن فرص السلام لم تنته، رافضاً في الوقت نفسه ممارسة الضغوط على اعتبار أن هذه هي الفرصة الأخيرة للتوصل إلى سلام في المنطقة. وفي ما يتعلق بالضغوط الأميركية على نتنياهو، شدد على العلاقات المتينة والاستراتيجية مع الولايات المتحدة، معتبراً الخلاف الذي يظهر بين الحين والآخر مع الولايات المتحدة خلافاً بين الأصدقاء، وهو ليس سراً، وهذا لا يؤثر على هذه العلاقات، وأكد أن نتنياهو سيحافظ على المصالح الاستراتيجية لإسرائيل ولن يخضع لهذه الضغوطات.
في كل الأحوال، بموازاة الحديث المتزايد عن التسوية، واصلت إسرائيل سياساتها الاستيطانية، التي شهدت في السنة الماضية، 2013، تصاعداً كبير زاد بحسب دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، بنسبة 123% عن عام 2012.
وأشارت معطيات دائرة الإحصاء المركزية أيضاً إلى أنه منذ تولي وزير الإسكان الحالي أوري اريئيل منصبه، شهدت عمليات البناء تسارعاً محموماً، حيث شُرع في بناء 2534 وحدة سكنية مقابل 1133 العام السابق.
في السياق ذاته، نقلت الإذاعة الإسرائيلية عن رئيس الإدارة المدنية للاحتلال، يوآف مردخاي، قوله خلال جلسة للجنة الخارجية والأمن البرلمانية أمس، إن وزير الدفاع موشيه يعلون دفع بـ 19 مخططاً للبناء في منطقة «ج»، دون أن تورد تفاصيل عن مواقع مخططات البناء.