الخرطوم | تجدّدت الاشتباكات في مدينة بورتسودان، شمال شرقي العاصمة الخرطوم، مُخلّفةً منذ يوم الأحد الماضي أربعة قتلى وأكثر من 30 جريحاً، مع إمكانية ارتفاع عدد الضحايا، وخاصة أن شهود عيان أفادوا بأن الاشتباكات متواصلة في الأحياء الشرقية للمدينة بين قبيلتَي بني عامر والهدندوة، فضلاً عن استمرار القبائل في الحشد بعدما أحرق التابعون لها محال تجارية ومطاعم. وتُعدّ هذه الاشتباكات التي اندلعت على خلفية ندوة أقامها رئيس «الجبهة الشعبية المتحدة»، الأمين السياسي في «الجبهة الثورية» الأمين داوود في المدينة، الجولة الثانية من نوعها منذ شهرين، بعد تحارب قبيلتَي بني عامر والنوبة ومقتل وإصابة العشرات آنذاك. واتهم والي ولاية البحر الأحمر، اللواء حافظ التاج مكي، «جهات مستفيدة» من الخلافات (لم يسمّها) بتسعيرها. وقال مكي إن الولاية سبق أن قررت تأجيل الندوة المذكورة، لكن الجهة المنظمة لم تلتزم بذلك، مضيفاً في تصريحات صحافية: «كنا نريد القيام بالإجراءات اللازمة لأن هناك جهات لم تكن مرحّبة بالندوة... الأوضاع تحت السيطرة، لكن هناك حالة احتقان شديد». وبفعل حالة الاحتقان تلك، أصدرت لجنة أمن الولاية قراراً بفرض حظر التجوال في بورتسودان اعتباراً من الخامسة مساءً إلى الخامسة صباحاً، في ظلّ تكثيف الأجهزة الأمنية وجودها، وانعقاد اجتماعات مع الإدارات الأهلية للسيطرة على الأحداث، فيما ينوي رئيس الوزراء عبد الله حمدوك زيارة المدينة بنفسه غداً الخميس.
اجتمعت أسباب كثيرة هذه المرة وأدت إلى تجدد الاشتباكات

وأرجعت مصادر في بورتسودان، في حديث إلى «الأخبار»، الاشتباكات إلى «خلافات سياسية» نتجت عن «إصرار الجبهة الثورية على إقامة احتفال لمندوبها الأمين داوود»، مضيفة أنه «تم الحشد للاحتفال بصورة قبلية استفزّت بقيّة المكوّنات». كما أن داوود سبق أن وصف «البجة» بأنها «أقلية في الشرق»، و«لهذا السبب أبدت القبيلة تحفظاتها». ومن جراء الإصرار على تنظيم اللقاء في موعده، اقتحم معترضون المكان، وتطور الأمر إلى اشتباك مع القوات النظامية ثم إلى مواجهات قبلية بين الهدندوة والأمرار من جهة، والبني عامر من جهة ثانية. في المقابل، نفى رئيس «الجبهة الثورية»، الهادي إدريس، أن تكون الجبهة طرفاً في هذه الصراعات، مضيفاً: «نقف مع المكونات الاجتماعية لشرق السودان كافة». وقال إدريس، في بيان وصلت «الأخبار» نسخة عنه: «ندين أحداث العنف، ونؤكد عدم تساهل وتسامح الجبهة الثورية معها ومع كلّ من يريد جرّ السودان إلى دوامة العنف القبلي»، مشيراً بالاتهام إلى «فلول النظام السابق الذين يريدون إثارة الفتن القبلية، ليس في شرق السودان (فقط) بل في كلّ أرجائه».
عموماً، يبدو أن هناك أسباباً كثيرة اجتمعت وأدت إلى تجدّد الأحداث في بورتسودان، منها ما هو داخلي وأخرى توصف بالخارجية مرتبطة بأطماع إقليمية في المنطقة. ولذلك، يحذر المراقبون من انقسامات اجتماعية نتيجة للانحيازات الحادّة في شرق السودان، ومحاولة جهات توفير الدعم السياسي لقبيلة على حساب أخرى. ويرى أهل المدينة أن ميناء بورتسودان، المطلّ على البحر الأحمر، سبب أساسي في الدفع إلى إشعال المنطقة، وأن على السلطة المركزية الإسراع في وضع حدّ للنزاعات قبل أن تخرج عن السيطرة. وفي هذا الإطار، يلفت رئيس «المنبر الديموقراطي لشرق السودان»، فيصل يسن، إلى أن «ساحل البحر الأحمر يشكل بعداً استراتيجياً وأمنياً لدول مثل السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل»، منبّهاً في حديث إلى «الأخبار» إلى أن «هناك تداخلاً قبلياً بين شرق السودان وإرتيريا يساعد على تمدّد الصراع، وإذا لم تتحرك الحكومة الانتقالية لمعالجة الوضع فستؤدي هذه الأحداث إلى عواقب وخيمة».